الندم والألم والدموع
لقداسة البابا شنودة الثالث
الألم بسبب الخطية، علامة من علامات التوبة الحقيقية.
وعنه قال داود النبي في المزمور السادس: "لأن عظامي قد اضطربت، ونفسي قد إنزعجت جدا" (مز 6). حقا إن السيد المسيح قد تألم عن خطايانا، ولكن يجب أن ندخل معه في "شركة الآمه" (في 3: 10).
وألم التائب بسبب الخطية، يتوازن مع لذته السابقة بها.
هذه اللذة التي حصل عليها قبلا، يردها في التوبة أربعة أضعاف، بتحمل آلام وخز الضمير وتبكيته. بل إن عبارة "البكاء وصرير الأسنان" يقاسيها حرفيا في توبته بمقياس ما، في جحيم يجوزه هنا على الأرض، كالمحرقة التي تجتاز النار إرضاء لقلب الله (لا 1). وقد يُبَكِّتْ نفسه تبكيتا شديدا، ويؤدبها ويعاقبها بعنف. بل قد يطلب من أب الاعتراف عقوبات روحية، لعل ضميره يستريح ولو قليلا. فبالعقوبات يعلن احتجاجه على خطاياه.
الذي يتوب حاملا عاره، يقبل نوعين من العقوبة.
النوع الأول هو العقوبات التي يفرضها على نفسه، سواء بالتوبيخ المر، أو بحرمان من أشياء تحبها نفسه، لتزهد هذا العالم الذي أحبته قبلا.
والنوع الثاني هو كل عقوبات تأتيه من الخارج، سواء من الله أو من الناس. فيقبل كل تلك العقوبات برضى، وبغير تذمر ولا شكوى، وهو مقتنع بها وشاعر أنها أقل مما يستحق.
حتى العقوبات التي تصيبه ظلما، يقبلها أيضا برضى.
مثلما حدث للقديس مار افرام السرياني الذي سُجِنَ مرة ظُلما، فقَبِلَ هذا وقال إنه يستحقه عن خطية قديمة لا علاقة لها بهذا الموضوع. ومثلما قَبِلَ داود النبي تعيير وشتائم شمعي بن جيرا (2 صم 16: 5 - 10). ومثلما قَبِلَ القديس موسى الأسود طرده يوم سيامته قسا وقال لنفسه "حسنا فعلوا بك يا أسود اللون يا رمادي الجلد..".
الذين لا يحتملون الأدب ولا العقوبة، هم بعيدون عن التوبة.
لأن التائب الحقيقي يشعر بإستحقاقه لكل ما يأتي عليه. ولا يرفض مطلقا ما تجلبه الخطية من مرارة، بل يقبلها بشكر، حاملا عاره. والألم نتيجة واضحة للخطية، كما حدث لآدم وحواء (تك 3: 16، 17). لا يجوز الهروب منها.
وكلما استمرت العقوبة فترة أطول، يتنقى القلب بالأكثر.
مثل الغسيل الذي يستمر في الغَلْي فترة طويلة، يُصبح أكثر نظافة. ومثل الذهب الذي يبقى في النار فترة مناسبة، يتنقى من الشوائب. وعلى عكس هذا فإن الذي ينال المغفرة بسهولة، هاربا مما تجلبه الخطية من ألم.. هذا ما أسهل أن يرجع إلى الخطية مرة أخرى، إذ لا يشعر ببشاعة نتائج الخطية..!.
لا تَقُلْ: الرب حمل عني كل الآلام، وأنا أستريح!
لا تنظر إلى آلام المسيح بهذه اللامبالاة، مُفكرا في ذاتك وحدك. وتذكر أن الذين تناولوا الفصح، إنما أكلوه على أعشاب مُرّة (خر 12: 8). فما مركز الأعشاب المُرّة في حياتك؟ وما مدى دخولك في شركة آلام المسيح؟
إن رأيت المسيح يحمل الصليب فداء لخطاياك، إجر وراءه وقُل له: "أعطني أن أحمله معك كالقيرواني" (لو 23: 26). أو قُل له في ألم: " أنا يا رب صليبك، حملتني هذا الزمان الطويل كله. أنا يا رب الأشواك التي وضعوها حول رأسك. أنا المسامير التي ثقبوا بها يديك وقدميك. ليتني اُصلَب معك مثل اللص اليمين. أو ليتني أقول مع بولس الرسول "مع المسيح صُلِبت.." (غل 2: 20). ولا تدع آلام المسيح عنك تدعوك إلى الاستهتار وأنت تنظر إلى خطاياك بغير ألم.
وإن كان يجب علينا أن نخرج مع الرب خارج المحلة حاملين عاره
(عب 13: 13)، فعلى الأقل: لنحمل عار أنفسنا، في مذلة وفي دموع.