محبة الله أم عواطف الوالدين
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
"أم أي إنسان منكم إذا سأله ابنه سمكة يعطيه حية؟!
فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السماوات يهب
خيرات للذين يسألونه؟!" (مت 9:7-11)
يجاوب النبي الذين اكتأبوا مرة وأتوا قائلين: "قد تركني الرب،
وسيِّدي نسيني"، قائلاً: "هل تنسى الأم رضيعها، فلا ترحم ابن بطنها؟" (إش 49: 15-14)
كأنه يقول: يستحيل على الأم أن تنسى رضيعها، فبالأولى لا ينسى الرب البشرية.
وهو بهذا لا يقصد تشبيه حب الله لنا بحب الأم لثمرة بطنها،
وإنما لأن حب الأم يفوق كل حب، غير أن حب الله حتمًا أعظم منه...
تأمل كيف تفوق محبة الله محبة الأم؟...
يؤكد رب الأنبياء وسيِّد الجميع أن حبه يفوق محبة الأب لأولاده كما يفوق النور الظلمة والخير الشر...
هكذا تعلو محبة الله عن عواطف الوالدين...
توجد أمثلة أخرى كحب الحبيب لمحبوبته، ليس أن حب الله لنا يعادل هذا الحب،
وإنما هو مثال من قبيل التشبيه مع الفارق...
لهذا يقول داود: "لأن مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه" (مز 103: 11).
كما أن الإنسان في حبه يراجع كلماته بجنون خشية أن يكون قد نطق بشيء يجرح مشاعر محبوبته،
هكذا يقول الرب: "ما أن تكلمت حتى ندمت على كلامي... رجع قلبي" (هو 11: 8).
فلا يستكنف الرب من استخدام هذه الصورة القاسية لإعلان حبه لمحبوبته...
أعمال عناية الله أسطع من الشمس، إذ ذكر مَثَل الأب والأم والعريس...
وشبَّه نفسه بالبستاني الذي يتعب من أجل عمل يديه...
وبالحبيب الذي يحزن لئلاَّ يُحزن محبوبته ولو بكلمة... مؤكدًا لنا أن محبته مختلفة عن كل أنواع الحب هذه كاختلاف الخير عن الشر.
V V V
لتشرب من ينابيع حبي فترتوي،
بل وتفيض في داخلك ينابيع حب لا تنضب