نصوم لنلقى وجه السّيّد. (18)
العقل الإنساني يتمرّد على صاحبه وعلى الله،
ويتّجه إلى الالتزام بمنطقه والاقتناع به وتحديد منهج حياة الإنسان من خلاله.
وقد يقوده هذا الاقتناع إلى التّمرّد على الله فيما لو أسلمه منطقه إلى اعتبار نفسه العارف الأوّل بكلّ شيء، والمدرك للحقيقة من خلال حيثيّات إنسانيّة بحتة.
ممّا يجعله يستغني عن الله ويكتفي بذاته، متناسياّ أنّه لا يمكن للمحدود أن يمتلئ من ذاته لأنّه يحتاج دائماً إلى المطلق ليغذّيه وينمّيه.
العقل الإنساني نعمة إلهيّة ولا بدّ من تنميته وتطويره وترتيب طريقة عمله واستيعابه للأمور الّتي يتلقّاها، لكن دون أن يعتبر نفسه العقل الأسمى.
كذلك النّفس الإنسانيّة الخاضعة للتّربية والخبرات الاجتماعيّة الّتي تشكّلها وتؤثّر فيها،
قد تعرض عن التّواصل مع الله وتقنع بخبراتها وتختار منهجيّة حياة غير تلك الّتي يريدها الله للإنسان. فترفض المبدأ الإلهي وتستغني عنه عن وعي أو غير وعي،
وتسلك طريقاً سيؤدّي بها حتماً إلى الهلاك.
يدفعنا العقل إلى الشّكّ والتّساؤل في المحن غالباً،
وتلحّ علينا نفسنا برغبات قد تعتبرها تؤمّن السّعادة والفرح.
إلّا أنّنا نكتشف في ما بعد مدى خطئنا في الاستسلام للعقل المتمرّد والنّفس النّائية عن الله.
وبالتّالي نجد أنفسنا تائهين مضطربين،
نسير في الظّلمة بقلق وخوف من المجهول.
التّجربة الحقيقيّة والصّعبة الّتي يمرّ بها الإنسان هي تلك الّتي يتمرّد فيها العقل والنّفس على الله فيبتعد عنه ويهلك وهو حيّ. وكي يتخطّى الإنسان هذه التّجربة ويبقى ملتصقاً بالمحبّة الإلهيّة،
يكفي أن يردّد باستمرار
صلاة القلب:
" يا رَبّي يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ".
يقول القدّيس يوحنا الذّهبيّ الفم:
" على الإنسان أن يرَدِّد على الدّوام صلاة
" يا رَبّي يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ"
، سواء في أثناءِ عمله أو سَيرِه أو أكلِه أو راحتِه، حتّى يتغلغل اسمُ ربِّنا يسوع المسيح في أعماق القلب، ويحطّم كبرياءَ الحيّة القديمة الرّابضة في الدّاخل لإنعاش الرّوح.
لذلك داوِم بلا انقطاع على ترديد اسم الربّ يسوع حتّى يحتضن قلبَك فيصير الاثنان واحدًا.
" هذه الصّلاة تضبط العقل وتمرّده وتربّي النّفس على الرّزانة والرّصانة.
كما أنّها تبني الإنسان من داخله وتحول بينه وبين الأفكار السّيّئة الّتي تطرأ عليه لأيّ سبب كان.
وتمنع عنه الانجرار وراء أهواء النّفس غير المرضية لله والمفيدة للإنسان.
أيّها المسيح الحبيب، ارحمنا من لحظة يتمرّد فيها عقلنا علينا وعليك،
وارحم نفسنا من ظلمة قد تختارها وارفعنا دوماً إليك.
اجعل حبنا لك كاملاً ومتسامياً لا يلمس الأرض أبداً.
أنت الّذي يليق بك كلّ حب ومجد وإكرام ، مع أبيك وروحك الحيّ القدّوس.
الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين .
أمين.
مادونا عسكر