نصوم لنلقى وجه السّيّد. (20)
دخل الله تاريخ البشر وسكن بينهم ومعهم ومثلهم لأنّه أحبّهم كثيراً.
ولعلّ عبارة ( أحبّهم كثيراً) لا ترقى إلى مستوى المحبّة الإلهيّة لأنّها أعظم من ذلك،
ولأنّه مهما حاولنا إدراك هذه المحبّة سنبقى مقصّرين في فهمها فهماً كلّيّاً.
ولو تلمّسنا هذه المحبّة دخلنا في صمت مقدّس وفرح عظيم غرّبنا عن هذا العالم ودفعنا إلى اجتناب أيّ أمر يمكن أن يجرح الله في صلب محبّته.
في أكثر من موضع في الإنجيل المقدّس نقرأ عبارة ( وتحنّن يسوع): " لو 13:7، متى 36:9،
مرقس 41:1...
إنّ هذه العبارة عظيمة ومدهشة، وتعكس بقوّة مشاعر السّيّد المعاين للجرح الإنساني العميق.
فالرّبّ ينظر إلى القلب المتألّم والمجروح ولا يهتمّ للظاهر الإنساني كما نفعل نحن.
ذلك لأنّ إلهنا ليس صنماً مجرّداً من أيّ حسّ أو شعور.
ولا هو سيّد متعالٍ بينه وبين الإنسان هوّة عظيمة، ينظر إليه من فوق ولا يشاركه أحزانه وآلامه.
إلهنا محبّة، بل حقيقة المحبّة،
بل المحبّة الحقيقة.
تحنّن أي رقّ قلبه وتحرّكت كلّ مشاعره باتّجاه المتألّم،
وأحسّ بكلّ ذرّة وجع وجرح في النّفس،
وأبى إلّا أن يطيّب الجرح وينتزع الوجع.
تحنّن يسوع على المرأة الّتي تبكي وحيدها وقال لها: " لا تبكي" ( لوقا 13:7).
وتحنّن على الأبرص ومدّ يده ولمسه ( مر 41:1)،
وتحنّن على الجموع إذ رآهم منطرحين ومنزعجين كغنم بلا راعٍ ( متى 36:9).
ما يدلّ على أنّ قلب الله يعاين كلّ قلب بشكل شخصيّ وفرديّ،
ولا ينظر الرّبّ إلينا كأعداد.
وإنّما كلّ واحد منّا معروف لدى الرّبّ بشخصه وعمقه الإنسانيّ.
هذا التّحنّن يغذّي العلاقة الحميميّة بين الإنسان والله القريب قرب النّفس من الذات والعارف بها أكثر من الإنسان نفسه.
لذا ومهما شعرنا بالوحدة أو بأنّ لا أحد يحسّ بآلامنا وأوجاعنا فلا ننسى أنّ السّيّد الّذي لا ينعس ولا ينام، ساهر أبداً علينا، يحمل معنا آلامنا ويهتمّ بتطبيبها ومداواتها.
أيّها المسيح الحبيب، املأ قلوبنا من نبع حنانك،
وحرّك فينا تعطّفنا نحو أخينا الإنسان حيث تسكن وتحتجب.
ربّي أسكب تحنانك أبداً في هذا العالم الحزين الّذي لا يطاق لولا حضورك البهيّ،
أنت الّذي يليق بك كلّ حبّ ومجد وإكرام.
مع أبيك وروحك الحيّ القدّوس.
الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين.
أمين.
منقول