نصوم لنلقى وجه السّيّد. (21)

" كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا،

ليؤمن العالم أنك أرسلتني." ( يو 21:17).
آية تختصر مبدأ الوحدة مع يسوع المسيح، وقيمة الاتّحاد به.

كما أنّها ترسم عمق الفكر المسيحي البعيد كلّ البعد عن المفهوم الدّيني المرتبط بالعبادة المحضة والشّريعة التي تخنق المتديّن بمجموعة وصايا تجعل عمل المؤمن مقتصراً على التّنفيذ خوفاً أو طمعاً.
يمكن قراءة هذه الآية مع الآية 26 من سفر التّكوين الفصل الأوّل:

" لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا".

مع الفرق أنّ في قول السّيّد صورة واضحة وحقيقيّة يعاينها الإنسان متى ارتبط بالمسيح.

فيعرف الله بيسوع المسيح ويعرف نفسه إذا ما نظر إليه وعرفه.

فالمسيح صورة الله تتجلّى للإنسان وصورة الإنسان الحقيقيّة غير المدركة من الإنسان نفسه.

وتحملنا هذه الآية إلى عمق أكبر وتبيّن لنا جليّاً أنّ صورة المسيحيين المتّحدين في ما بينهم تدخلهم في العائلة الإلهيّة بل وتؤكّد على أنّ الآب أرسل الابن لخلاص العالم.

( كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا).
ليس الحديث هنا عن وحدة الكنائس، بل عن وحدة المسيحيين، أي الاتّحاد بالمحبّة والفكر والمنهج.

بمعنى آخر اتّحاد المسيحيين الّذي من خلاله يرى العالم المسيح.

وليس الحديث عن التّمثّل بالمسيح أو التّشبّه به وإنّما إظهاره للعالم من خلال عيش هذه الوحدة.

فمتى احتاج أحد أن يتعرّف إلى المسيح يكفيه أن ينظر إلى المسيحيين.

اتّحاد الفرد مع المسيح هو اتّحاد بكلّ الجماعة المؤمنة. فكما أنّ الآب في الابن والابن في الآب، تمسي الجماعة في الابن وفي الآب. فيحيا المسيحيّون منذ الآن الحياة الإلهيّة الّتي تحيا فيهم. ومتى حصل هذا الانصهار آمن العالم أنّ الآب أرسل يسوع المسيح.
لا يطلب منّا المسيح أن نتناسخ فكريّاً ويذوب واحدنا في الآخر حتّى امّحاء الهويّة الشّخصيّة.

وإنّما المطلوب وحدة المحبّة الكاملة مع البقاء على تميّز كلّ منّا برسالته وموهبته وعمله.

مع العلم أنّه متى تخلّى أحدنا عن رسالته الموكلة إليه من السّيّد وابتعاده عنه أساء إلى الصّورة المتكاملة للجماعة المؤمنة وبالتّالي أخّر معرفة العالم للمسيح.
سنحاسب أنفسنا بحزن بليغ ما لم نلتزم بهذه الآية،

وسنرى كم أننا مقصّرون بحقّ مسيحيّتنا ومسيحنا ما لم تجمعنا المحبّة أكثر فأكثر وتوحّدنا في ما بيننا، حتّى يعلم العالم أنّ المسيح هو مخلّص العالم، وأنّه الألف والياء والبداية والنهاية.

وحده الذي يليق به كلّ مجد وإكرام مع أبيه وروحه الحيّ القدّوس.

الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين.

أمين.

منقول