في روح الزّنى
من وحي جهاد القدّيسة مريم المصريّة
الزّمن الّذي نعيش فيه مُشبَع بروح الزّنى أكثر
من أيّ زمن مضى، بسبب التّكنولوجيا عامّة،
وتكنولوجيا الاتّصالات خاصّة.
والزّنى درجات، أبسطها عبوديّة الجسد للّذّة،
وأصعبها وأخطرها استعباد الروح للشّهوة.
في أسفل درجاته، يأتي روح الزّنى من الشّراهة وحبّ لذّة البطن،
من الحواسّ بعامّة.
وفي أعلى درجاته، يأتى روح الزّنى من الاستكبار.
لذلك، يقول الرّبّ:
"المتكبّرُ رِجْسٌ عند الله" (لوقا 16: 15)
أي نَجِسٌ وممقوت.
والكبرياء تتأتّى، في ما تتأتّى،
مِن تميُّز الإنسان إمّا في جمال أو علم أو مال...
هذا التّميُّز يَرُدُّه المُستكبر إلى ذاته وليس إلى الله.
الزّنى الآتي من الكبرياء مرتبط بعبادة الذّات،
ويُوصِلُ الإنسان إلى العبوديّة المطلقة لذاته بالشهوة،
وهذه قمّة الزّنى، الزّنى على الله أي الإشراك به.
الزّنى في العمق هو أن يُشْرِكَ الإنسان في عبادة الله،
فيصير في نظر نفسه الإله من خلال عبوديّته لِلَذَّاتِه،
وأوّلها شهوة الجسد، وثانيها شهوة العين وثالثها وقمّتها حبّ المجد الباطل والمديح
(أنظر رسالة يوحنا الأولى الفصل الثاني الآية 16).
مريم المصريّة وقعَتْ في الشَّبَقِيّة مِن عُمرٍ صغير.
إنتبهوا إلى أولادكم!
لا تتركوهم دون مرافقة في استعمالهم التكنولوجيا.
احتضنوهم بالمحبّة والرعاية والمتابعة،
وربّوهم على الحرّيّة المسؤولة وعلى الشفافية في التعاطي معكم،
عبر كونكم متفهّمين لهم ولحاجاتهم وتجاربهم.
مريم المصريّة عاشت صباها في استهلاك الأجساد والنُّفوس
لتُشبِع جوعها للحياة، لكنّها لم تشبع بل اكتشفت أنّ الحياة الحقّة
ليست في ملذّات الجسد، أي الأكل والشّرب والجنس والمديح وتزيين الجسد والمال والتّسلُّط...
هذا كلّه عَرَفَتْهُ "باطلًا وقبضًا للريح"
(سفر الجامعة الفصل الأول الآية 14).
لكنّها، لتتخلّص من عبوديّتها للجسد، قضت سبعاً وأربعين سنة في البرّيّة،
حاربت فيها سبعة عشرة سنةً شهوة الجسد في أصوامٍ
وَعُرْيٍ وصلاة حارّة مستديمة.
فأين نحن مِن جهادها؟
هل نحن مستعدّون أن نحارب وحش الإنسان الجسدانيّ فينا؟
هذه حرب ضروس، نربحها باللجوء الصّادق إلى الرّبّ والعودة إليه.
* * *
سلكت مريم المصريّة في عبوديّة الأجساد زمن نضارة صباها،
فأوحلت حياتها في جبّ القذارة الّتي ما بعدها قذارة،
إذ هتكت حِجاب قدس أقداس الله، أي قلب الإنسان،
بنجاسة فكرها وقلبها وجسدها.
فلننتبه إلى أنفسنا وأولادنا ومن حوالينا،
ونتحصَّن بالمحبّة النّقيّة المتأتّية من نعمة الله بالصّلاة والتوبة المستمرّة.
ولنتمسّك بحياة التّجدُّد من خلال تتميم التّوبة بالاعتراف
بخطايانا الّتي بالفكر والقول والفعل في خبرة سرّ الأبوّة الروحيّة.