في صمت الجمعة العظيمة لا يقام القداس الإلهي لأن المسيح يرقد في الجحيم. الألم والحزن يخيمان على الأرض، ولكن بشارة السيد وهو بعد في الجسد لم تنتهِ إلى الصليب والقبر إذ "إن موسى العظيم، قد سبق فرسم هذا اليوم سرياً بقوله: وبارك الله اليوم السابع، لأن هذا هو يوم السكون والراحة، الذي فيه استراح ابن الله الوحيد من كل أعماله، لما سبت بالجسد بواسطةِ سرّ التدبير المكمل بالموت، ثم عاد بواسطةِ القيامة إلى ما كان عليه ومنحنا الحياة الأبدية" (في خدمة السحر لسبت النور)
سكون السبت العظيم يغلف "ذلك اليوم وتلك الساعة اللذين لا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب" (مرقس 13: 32). فيه نقض المخلص هيكل جسد آدم ثم عاد فأقامه إذ "ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد" (عبرانيين 2: 6). وتنشد الكنيسة في صلاة السحر،
"حجب الحجر الذي حجب السماوات بالفضيلة. الحياة يرقد والجحيم يرتعد وآدم يطلق من القيود لأن ملك الدهور بعد أن أكمل سرّ التدبير بالآلام، سبت واستراح في القبر، فمنحنا سبتاً جديداً.. انحدرت إلى الأرض كي تنشل آدم وإذ لم تجده هناك ذهبت تطلبه في الجحيم.. إن آدم الثاني الساكن في الأعالي قد انحدر نحو آدم الأول إلى أقصى دركات الجحيم. وأعاد جنسنا من الفساد ونقله إلى حياة أبدية". ويضيف القديس غريغوريوس النيصصي قائلاً: "الشمس أخفت أشعتها إذ توارى السيد في القبر. ولكنه احتجب فيه ليحجب بموته ظلمات الموت".
الكتاب المقدس يبتدئ بذكر الخليقة المعتوقة المكتنفة بإشراق شمس العدل، "في البدء... كانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة... وقال الله ليكن نور فكان نور". ونحن نجتاز في الحياة الطقوسية مسافة تاريخ الخلاص في الزمن، إذ يكثف النور كلما اقتربنا من فجر القيامة. نحيا كل ذلك خلال أسبوع الآلام ناظرين إلى ضياء وجه الآب في مرآة الكلمة الذي "كان منذ البدء... كان في العالم وكوّن العالم به ولم يعرفه العالم... والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا ورأينا مجده" (يوحنا 1: 1- 14). في الحياة الطقوسية، وسط الكنيسة المجتمعة، ينزل ابن الإنسان إلى جحيم خطيئتنا متوشحاً بسمات صليبه، سمات محبة الآب، وهي مثل حبة الحنطة التي تقع في الأرض وتفنى لتأتي بثمر كثير.
"اليوم الجحيم تنهدت صارخة: قد تلاشت سلطتي. لأني اقتبلت ميتاً كأحد الأموات إلا أني لم استطع أن أضبطه أبداً، بل فقدت معه الذين كانوا تحت مملكتي... لأن المصلوب أخلى القبور، واقتدار الموت اضمحلّ" (في صلاة المساء لسبت النور).
إن الشرق المسيحي منسوج بشفافية مدهشة لفرح القيامة ولكنه يؤكد في آن معاً حقيقة الجحيم. القيامة والجحيم حقيقتان يقف التراث الشرقي بخشوع أمامهما. ويوجز لنا القديس ابيفانيوس القبرصي ذلك في عظة له لسبت النور إذ يقول: "ما هذا؟ إن صمتاً عظيماً يخيم اليوم على الأرض، سكون كبير ووحدة لا تدرك. صمت كبير لأن الملك قد سبت في قبر. الأرض تزلزلت وسكنت لأن الله قد رقد في الجسد وذهب ليوقظ الراقدين منذ الدهور. الله مات في الجسد والجحيم تنهدت، الله رقد هنيهة فانتشل الراقدين في الجحيم...
ذهب يطلب آدم أبانا الأول، الخروف الضال. ذهب ليفتقد الجالسين في ظلال ظلمة الموت. هيا بنا لننزل وراءه ونرى عهد الله مع بني البشر، لنوقظ آدم ونوح وابراهيم وموسى ودانيال وارميا ويونان، فنسمع أحدهم يصرخ، من قعر الجحيم اسمع صوتي، وآخر أيضاً يقول، ليضئ لنا نور وجهك يارب فنحيا: إن آدم الذي كان قد طال أسره أكثر من الجميع هتف نحو المخلص هكذا: أنني أسمع وقع خطى الرب آتياً إلينا. وبينما هو يتكلم دخل الرب حاملاً سلاح صليبه الظافر. فنادى آدم رفاقه في رعدة قائلاً: الرب معكم جميعاً. فأجابه المسيح: ومع روحك أيضاً قم وامشِ. إنني أنا إلهك من أجلك صرت ابناً لك. قم ولننطلق من هنا. قوموا لننطلق من هنا فنعبر من الألم إلى الفرح. إن أبي السماوي ينتظر الخروف الضال. بهو العرس مجهز والخيمة الدهرية قد نصبت وملكوت السموات الذي كان قبل كل الدهور ينتظرنا".
من كتاب أسبوع الآلام من خلال الطقوس والليتورجية (مطرانية جبيل والبترون)