المسيح قام.. حقاً قام
قراءة في عظة الفصح للقدّيس " يوحنّا الّذهبيّ الفم"
هذه العظة البهيّة للقدّيس " يوحنا الذّهبيّ الفم"، تحمل الكثير من التّعزية والرّجاء لقلوب المؤمنين.
تحثّهم على المضيّ قدماً بجهادهم الرّوحي وتشجّعهم على الوثوق برحمة الله اللّامتناهية.
إنّها تبيّن لنا غمر المحبّة الإلهيّة الّتي تقبل الجميع وتريد للجميع أن يهنأوا ويسعدوا وهم مجتمعون على مائدة الرّبّ.
فالرّبّ، السّيّد الرّحوم ينظر إلى قلوب البشر ويرأف بهم ومشيئته أن يكون لهم الفرح الكامل.
كما يحضر في هذه العظة مفهوم العدالة الإلهيّة المغايرة للعدالة البشريّة.
فعلى مائدة السّيّد يجتمع الكلّ دون استثناء. لا فرق بين غنيّ وفقير، ولا بون بين سيد وعبد.
الجميع في حضرة السّيد إخوة لأنّهم أبناء الله.
- ثمرة الصّوم راحة في قلب الله: الصّوم مسيرة حجّ نجاهد فيها ونعمل بجدّ كي نلقى الرّبّ الحيّ الّذي لا يضيّع تعبنا ولا يتغافل عن منحنا أجرنا بسخاء.
إلّا أنّ العمل والأجر لا يتّخذان في المفهوم الإلهي منطق العالم، وإنّما ينظر الرّبّ إلى عملنا بعين الحبّ والرّحمة، ويفرح لرؤيتنا ساعين إليه بقلوب محبّة ومخلصة.
- " من كان حسن العبادة ومحبّاً لله فليتمتّع بحسن هذا الموسم البهيج.
من كان عبداً شكوراً, فليدخل إلى فرح ربّه مسروراً.
من تعب صائماً, فليأخذ الآن أجره ديناراً. من عمل من السّاعة الأولى, فلينل اليوم حقّه بعدل." ثمرة الصّوم راحة في قلب الله وسرور بلقياه. وكأن
ّ الصّوم طريق عند نهايته يقف الرّبّ فاتحاً يديه ليمنح كلّ صائم نعماً وفرحاً.
فمن يحسن العبادة ويجتهد في ملاقاة المسيح يحصد كنوزاً إلهيّة، إذ إنّ نور السّيّد ينسكب فيه ولا يعود يتّسع كيانه إلّا لفرحه الكامل.
فالصّوم لم يكن فعل تعويض أو صفقة مع الرّبّ يقابلها مغفرة أو رضىً.
الصّوم كان إمساكاً عن العالم وإفراغاً للذّات تهيئةً لملاقاة وجهه البهيّ.
لقد كان زمن التّحضير للعرس، وها إنّ العريس قد حضر والعرس قائم والمدعوّين جذلون.
- العدالة الإلهيّة رحمة: - " من قدم بعد السّاعة الثّالثة فليعيّد شاكراً.
من وافى بعد الساعة السّادسة, فلا شك إنه لا يخسر شيئاً.
من تأخّر إلى السّاعة التّاسعة, فليتقدّم غير مرتاب.
من وصل السّاعة الحادية عشرة, فلا يخف الإبطاء فإنّ السيّد كريم جوّاد, يقبل الأخير مثل الأوّل, ويريح العامل من السّاعة الحادية عشرة مثل العامل من السّاعة الأولى.
يرحم الأخير, و يرضي الأول. يعطي ذاك, ويهب هذا.
يقبل الأعمال, و يسرّ بالنية. يكرم الفعل, و يمدح النية." العدالة الإلهيّة رحمة ونظرة إلى العمق الإنساني، حيث النيّة متوفّرة حتّى ولو كان السّعي متأخّراً.
فأيّاً كان الوقت الّذي يزعم فيه المؤمن أن يخطو نحو الرّبّ سيجده واقفاً ينتظر بمحبّة الأب وتلهّف المحبوب ليغدق عليه بالخير والفرح.
الرّبّ يكرم الأخير مثل الأوّل ويسعد بمبادرة الإنسان النّابعة من قلبه.
يرحم الأخير ويقبله كما الأوّل، لأنّ حبّه الفائق كلّ منطق ينمّي العلاقة الإلهيّة الإنسانيّة، فيعود الإنسان ويتقوّى ليكون أوّلاً في كرم الرّبّ.
ولا نفهمنّ أنّه يُسمح لنا أن نستهتر أو نستهزأ بكرم الرّبّ، بل علينا أن نبادر بمحبّة وإخلاص متّكلين عليه وواثقين بأنّه المعين والكريم.
- القيامة زمن الحبّ والفرح: - فادخلوا إذاً كلكم إلى فرح ربّكم. أيّها الأوّلون والأخيرون، خذوا أجوركم. أيّها الأغنياء والفقراء, اطربوا معاً فرحين.
أمسكتم أو توانيتم, أكرموا هذا النهار. صمتم أم لم تصوموا, افرحوا اليوم.
المائدة مليئة فتمتعوا كلّكم, العجل سمين وافٍ فلا يخرجنّ أحد جائعاً.
تمتعوا كلكم بوليمة الإيمان. تمتعوا كلكم بوليمة الصلاح.
" مائدة الرّبّ متاحة لكلّ مقبلٍ إليها، ولا تفرّق بين هذا وذاك ولا تفضّل هذا على ذاك.
فالحبّ الإلهيّ وافر للجميع، والفرح معدّ للكلّ، فلا يخرجنّ أحد جائعاً.
الرّبّ يريدنا أن نأخذه قدر ما نشاء، وهو النّبع الّذي لا ينضب والنّور الّذي لا يفنى والقوت المحيي إلى الأبد.
الكلّ مدعو للفرح ولا يستثني أحداً، من عمل جاهداً وثبت في جهاده، ومن وصل ولو متأخّراً، ومن تخاذل ثمّ رجع، ومن كان غافلاً ثمّ تنبّهَ.
فليدخل الجميع إلى فرح السّيّد ولا يقفنّ أحد خارجاً.
إنّه اليوم الّذي صنعه الرّبّ، اليوم الّذي لا يبدأ ولا ينتهي، زمن الحبّ والفرح.
- القيامة، الحرّيّة الكاملة: - " لا ينوحنّ أحدٌ عن فقر.
فإنّ المملكة العامّة قد ظهرت. لا يندبنّ أحد على إثم. فإنّ الفصح قد بزغ من القبر.
لا يخف أحد الموت, فإنّ موت المخلص قد حرّرنا.
فإنّه أخمد حين قبض الموت عليه, و سبى الجحيم بنزوله إليه, مرمره لما ذاق جسده.
هذا ما سبق إشعيا و نادى به قائلاً: تمرمر لما التقاك أسفل.
تمرمر لأنّه بطُل. تمرمر لأنّه هزىء به. تمرمر لأنّه قد أميت.
تمرمر لأنّه قد أبيد, تمرمر لأنّه قد ربط.
تناول جسداً فصادف إلهاً, تناول أرضاً فألفاها سماء.
تناول ما نظر, فسقط من حيث لم ينظر.
" إنّه زمن الحرّيّة الكاملة، فلا حاجة بعد للنّوح والبكاء.
أشرق المسيح وانذثرت الظّلمة ومات الموت ولم يبقَ سوى الحياة.
ملكوت السّماء حاضر الآن، والحقيقة تجلّت، والقيامة حرّرت الإنسان من قيود الظّلمة ومنحته كرامته الإنسانيّة. تلاشى الموت وانتفى معناه لأنّ السّيّد أبطل قوّته وهزم غموضه.
دخل المسيح الموت ودحر ظلاميّته وخرج ظافراً مانحاً إيّانا الحياة.
إنّها الحرّيّة الكاملة الممنوحة لنا من المسيح الحيّ حتّى ننطلق في هذا العالم دون خوف وارتياب.
إنّها المحبّة الهادرة بقوّة والغالبة للموت والحقيقة الهادمة لكلّ باطل.
- قام المسيح: - " أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا جحيم؟ قام المسيح و أنت صرعت.
قام المسيح والجن تساقطت.
قام المسيح و الملائكة جذلوا. قام المسيح و الحياة انبعثت.
قام المسيح من الأموات فصار باكورة الراقدين.
". من ذا الّذي بعد يهاب الموت أو يرهبه؟
قام المسيح وتدفّقت الحياة كنهر جارف. قام المسيح وانهزم الشّرير.
قام المسيح والخليقة بأسرها تجدّدت وأعيد إليها بهاؤها الأوّل.
قام المسيح ومال ليل هذا العالم وأقبل نور الحياة الّي لا يخمد ولا يخبو.
قام المسيح وها إنّ الرّجاء ممنوح لجميع الرّاقدين.
فللمسيح القائم من بين الأموات المجد والعزّة إلى دهر الدّاهرين.
آمين.
الجمعة أبريل 17, 2015 12:39 am
