المطران أنطوني سوروجسكي
يدخل معظمنا في ليلة السكون،
فسنطرح عنا أتعاب النهار وتعب الجسد والقلق والتوتر والاضطراب.
سنترك كل هذا على عتبة الليل ونستغرق في النوم.
وفي هذه الحالة نكون غير محميين،
والرب وحده يستطيع أن يسترنا بجناحه خلال ساعات الليل هذه.
هو قادر على وقاية قلوبنا مما قد ينشأ من أعماقنا التي لم تتطهر
ولم تتنوّر ولم تتقدس بعد، وهو قادر على حماية أفكارنا وأحلامنا وإنقاذ أجسادنا.
سندخل في سكون الليل،
ولكن قبل ذلك لنتذكر أولئك الذين يدخلون في ليلة ملؤها قلق.
في مستشفى أو في غرفة مريضٍ يوجد أشخاص لن يناموا
لأنهم يتألمون ويخافون ويقلقون على أحبّائهم، ومنهم من يتحمل عبء مرضهم
ومنهم من سيبقى وحيداً بعد موتهم.
هناك ناس وسط وحدة السجن،
بعضهم شباب وهناك خارج الحيطان توجد فتيات يحبّونهن وأطفالهم ورفقاؤهم وحرية،
وكان هناك أمل أما الآن فلم يبق شيء.
هناك سجون لياليها مرعبة ومع قدوم الليل
تبدأ استجوابات تستمرّ لساعات طويلة في قلب الليل،
فهناك من سيُضرب وسيتعرض للتعذيب.
وهم يرجعون إلى زنزاناتهم منهكين ويدخلون في النهار
الذي ليس لهم فيه تعزية، يتملكهم شعور واحد فقط
وهو الخوف من الليلة الآتية.
الآن يُطبق الليل عليهم ويظلل الخوف أجسادهم ونفوسهم.
إضافة إلى ذلك، ثمة ليلة صاخبة في كل المدن،
ليلة الخمّارات والقمار والسكر، ليلة يفقد فيها الشبان والبنات طهارتهم،
ليلة ينسى فيها الأزواج المحبّة ولا يتملكهم إلا الشهوة الشبقة.
هناك أناس سيفقدون شرفهم وسيخجلون عندما يستيقظون صباحاً.
هناك أيضاً من يستغلّ كل هذا ومن يُسكر الآخرين
ويغريهم ويسمّمهم بالمخدّّرات ومن يضحك ضحك الشياطين دون
أن يفهم أن مصيره الأبدي يُقرّر الآن.
فليحفظ الرب أولئك وليرحم هؤلاء!
ويوجد في هذه الليلة من سيقف أمام الله:
الأم عند سرير الطفل، الزوجة عند زوجها الذي على وشك الموت،
وهناك من سيكرّس الليلة كلها للصلاة. ويوجد فيها ولد غادر موسكو
وهو في الحادية عشرة من عمره قائلا لأمه: "الله يدعوني للصلاة في الغابة"،
وقد مرّت خمس سنوات وهو لوحده وسط أحراش الغابة،
وسط ثلوج الشتاء الروسي القارس.
وكم هم كثيرون! لن ينام طبيب في هذه الليلة، والممرّضة ستحارب النوم.
هناك عالَم من الحياة والآلام والأمل والموت...
والفرح والحضور الإلهي. كل هذا موجود في هذه الليلة.
قبل أن نسلّم أنفسنا للراحة لنشكر الله على كل ما يرسله لنا ونطلب إليه أنه
- بعد أن ننام ناسيين كل شيء – يذكر الأجساد المتألمة، سواء جسد المريض
أو المرأة العاهرة، أن يذكر الطفل والعجوز والسجين الذي يتم استجوابه
ومن يقوم باستجوابه أيضاً، ويذكر الذي يستغلّ ضعف الغير والذي قد انهزم في ضعفه،
والذي يقف أمام الله في جهاده الملتهب بين حياة العالم وموته. فليذكر الجميع في ملكوته
وليحلّ السلام والغفران والرحمة. ليكن رعب هذه الليلة ليس هو النهاية بل بدابة جديدة.
ومن قد عرف الرعب اللامتناهي في ليلة جثسيماني في وجه الخيانة
– فليذكر كل الذين لن تكون هذه الليلة بالنسبة لهم ليلة السكون والراحة.
وليذكرنا نحن غير المحميين والمعرّضين للجرح، فإننا نسلّم أنفسنا في يده بإيمان
ورجاء وفرح بأننا نحبّه بمقدار قوّتنا وأننا محبوبون منه حتى الصليب والقيامة.
آمين.
المجموعة: رسائل وأحاديث
جميع الحقوق محفوظة لموقع "التراث السلافي الأرثوذكسي"