20 نيسان: أنستاسيوس الأول بطريرك أنطاكية العظمى.
طروبارية أبينا الجليل في القدّيسين أنستاسيوس الأول باللحن الرابع:
لَقَدْ أَظْهَرَتْكَ أَفْعالُ الحَقِّ لِرَعِيَّتِك قانوناً لِلإيمان، وصُورَةً لِلوَداعة ومُعَلِّماً لِلإِمْساك، أَيُّها الأَبُ رَئِيْسُ الكَهَنَةِ أنستاسيوس، فَلِذَلِكَ أَحْرَزْتَ بِالتَّواضُعِ الرِّفْعَة وبِالـمَسْكَنَةِ الغِنى، فَتَشَفَّعْ إِلى الـمَسيحِ الإلَه أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا.
سنكسار تذكار أبينا الجليل في القدّيسين أنستاسيوس الأول بطريرك أنطاكية العظمى
(+599م)
أصله من فلسطين. نشأ منذ الطفولية، على تعليم الآباء القدّيسين. شغل منصب ممثل بطريرك الإسكندرية لدى بطريرك أنطاكية. في تلك الأثناء رقد بالرب البطريرك الأنطاكي دومنينوس الثالث واختير أنستاسيوس خلفاً له. كان ذلك في العام 559م. وقد ورد أنه كان صارماً حيال نفسه، حارساً يقظاً للعقائد الإلهية. قال عنه أفغريوس المؤرّخ:
"كان بارعاً، متعمّقاً في الإلهيات، مستقيم السيرة في حياته وتصرفاته". كان، بعامة، يؤثر الصمت. هذا حين كان الآخرون، في حضوره، يخوضون في مسائل دهرية. ولكن متى أحسّ بأن الإيمان القويم في خطر فإنه كان يخرج عن صمته ويواجه بحدّة وحميّة، بكلمة الفم والكتابة معاً حاثاً الأساقفة، في رسائل، على الدفاع عن الأرثوذكسية.
هكذا استبان، في زمانه، مدافعاً عن الحق الإلهي في وجه الهراطقة الذين ادّعوا أن جسد المسيح، قبل القيامة، كان غير قابل للفساد. هذه الهرطقة كانت تُعرف بـ "الافترتوذوكاتية". القول بهذه البدعة دعمه الإمبراطور البيزنطي يوستينانوس الأول. رغم ذلك انبرى القدّيس أنستاسيوس مدافعاً عن الإيمان الأرثوذكسي بأن المسيح اتّخذ كامل الطبيعة البشرية الساقطة ما خلا الخطيئة. وقد دعا إلى مجمع محلّي في أنطاكية سنة 565م فلبّى الدعوة مائة وخمسة وتسعون أسقفاً أجمعوا على رفض "الافترتوذكاتية" وعلى الكتابة بذلك إلى الإمبراطور. استعدّ أنستاسيوس للنفي وأعدّ عظة الوادع، لكن المنيّة عاجلت يوستنيانوس فبقي في كرسيه إلى السنة 570م حين نفاه الإمبراطور الجديد يوستينوس بحجّة تبذير أموال الكنيسة والتفوّه بما لا يليق بالحضرة السنية. والسبب الحقيقي كان شدّة تمسّك أنستاسيوس بالتعليم القويم فيما انصب سعي يوستينوس على إيجاد صيغ توفيقية بين أصحاب الطبيعتين وأصحاب الطبيعة الواحدة تحقيقاً لمآرب سياسية.
بقي قدّيسنا مبعداً عن كرسيّه ثلاثة وعشرين عاماً، إلى السنة 593م. قيل إنه أقام خلال تلك الفترة في فلسطين، وقيل لا بل في سيناء، وقيل أيضاً في القسطنطينية عينها. أصحاب القول الأخير جعلوا إقامته في المدينة المتملكة المناسبة التي جمعت البطريرك إلى القدّيس غريغوريوس الذيالوغوس الذي كان، آنئذ، ممثلاً لبابا رومية لدى البطريرك القسطنطيني، أقول جمعتها في صداقة حميمة دامت سنين. فلما تولّى غريغوريوس سدّة الأسقفية الرومية عمل على إعادة صديقه إلى كرسيّه في أنطاكية. وقد تمّ ذلك في زمن الإمبراطور موريق سنة 593م. غريغوريوس شبّه أنستاسيوس بالنهر الكبير الدفاق. أنّى يكن من أمر فإن سنوات المنفى لأنستاسيوس كانت سنوات خصب إذ انكبّ على الدرس والكتابة والتأليف.
هذا ويُشار إلى حدث جرى في الزمن الأول لبطريركية أنستاسيوس، بين العامين 550 و560م. مفاد هذا الحدث أن ثلاثة عشر راهباً سورياً خرجوا برئاسة أحدهم، يوحنا، من بلاد ما بين النهرين إلى بلاد الكرج وهناك أسّسوا بموافقة الملك وبركة الجاثليق الكرجي ديراً بقرب العاصمة تبليسي صار مركزاً لنمو الحياة الرهبانية في كل الكرجية. هؤلاء الثلاثة عشر كان لهم، إلى ذلك، دور رسولي مميّز، وهم قدّيسون في كنيسة الجيورجيين، وبعضهم صار أسقفاً.
شغل أنستاسيوس البطريركية الأنطاكية مجدّداً إلى السنة 599م حين توفي، مكملاً بالفضائل، في العشرين من نيسان.