3- نتائج الحسد
للحسد نتائج مروعة.
قد نكون مبطئين في إدراك وجود هذا الهوى فينا.
إنه قد يحزننا بنفس المقدار الذي تسببه باقي الأهواء،
لكنه يشوه كل كياننا الروحي.
نستطيع سرد قائمة نتائجه الأليمة.
الحسد هو علامة على الحياة الجسدانية.
إننا عادة ما نفكر في الحياة الحسية الجسدية على أنها تخص بعض الخطايا الجسدية
التي نهتم بها كثيراً متغافلين عن الخطايا الأخرى.
على كل حال، يعني أي هوى يتسبب في أن نفقد نعمة الله أننا جسدانيون في أذهاننا.
أعمال الجسد هي عكس ثمار الروح القدس.
يسرد القديس بولس أعمال الجسد ذاكراً الحسد أيضاً:
“وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنا، عهارة، دعارة، نجاسة، دعارة، عبادة أوثان،
سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق، بدعة، حسد، قتل، سكر، بطر، وأمثال هذه”
(غل5: 19-21).
يشدد القديس غريغوريوس السينائي على نفس النقطة قائلاً:
“يكون المأخوذون تماماً بطرق الجسد، والمملوئون بمحبة الذات عبيداً للذة الحسية والباطل على الدوام.
يكون الحسد أيضاً متأصلاً فيهم”.
يكون كل أولئك المستعبدين للانغماس في الملذات وتقدير الذات،
المتأصل فيهم الحسد، جسدانيين. من الواضح أن الروح القدس غائب عنهم.
يكون الشخص الحسود أعمى روحياً.
تكون عينا نفسه، أي النوس، عمياء ولا تستطيع تمييز الجيد من الرديء.
إنها لا تستطيع حتى إدراك نعمة الله. النوس هو عين النفس التي ترى بها مجد الله.
فإذا كانت هذه العين عمياء، فإننا نكون غير قادرين على معاينة الله لدرجة أن نكون أمواتاً.
يقول القديس باسيليوس ببراعة:
“يعمي الرب النوسَ الحسود لأنه يكون ممتعضاً من خيرات قريبه”.
ينتهي الحال بالشخص المغلوب من الحسد بعدم الإيمان.
ألم تكن هذه حالة اليهود المعاصرين للمسيح الذين أعماهم الحسد
فأنكروه وبالتالي فقدوا إيمانهم؟
عادة ما يكون للحسد هذا التأثير على نفس المرء ويقوده لفقدان إيمانه.
يقول القديس نيكيتا ستيثاتوس:
“نقص الإيمان هو شر، وهو أسوأ مواليد البخل الشرير والحسد”.
لو كان نقص الإيمان شراً بهذا الحجم، فلا بد أن يكون الحسد الذي يلده أسوأ بكثير.
يضل الشخص الحسود بسبب هوى الحسد “ويقولون بافتراء أن الجيد رديء،
مسمّين إياه ثمرة الخداع.
إنه لا يقبل أمور الروح ولا يؤمن بها، وبسبب نقص إيمانه لا يستطيع أن يرى أو يعرف الله”
(القديس غريغوريوس السينائي).
يظهر الشخص الحسود، بسبب حسده، أنه لا يقتني المحبة.
من يقتني المحبة يكون قادراً على تمييز البار من خلال العلامات المميزة المتنوعة،
لكنه في نفس الوقت يشارك محبته مع كل أحد بدون تمييز.
لا يستطيع الحسود أن يحب، ولا يريد ذلك. لا تشتهي المحبة الشر لأي أحد.
“الذي يحسد أخاه، ويمتعض من سمعته الحسنة، ويفسد اسمه الحسن بتعليقات ساخرة”
يكون غريباً عن المحبة ومذنباً أمام دينونة الله (القديس مكسيموس).
الشخص الحسود يدمر أيضاً مقتنياته.
يقول القديس باسيليوس أنه تماماً مثلما ترتد السهام المطلقة من القوس
إلى الرامي لو ارتطمت بشيء صلب، هكذا أعمال الشخص الحسود “تتسبب في إصابته”
دون أن تؤذي الشخص المحسود.
يذبل الشخص الحسود باستمرار بسبب الحسد.
“إنه يدمر نفسه إذ يأكله الأسى”.
مثلما تفنى النحلة بمجرد أن تقرص شخصاً ما،
هكذا هوى الحسد يدمر الشخص الحسود.
مثلما يدمر الصدأ الحديد أول كل شيء، هكذا يأكل الحسد الشخص الذي يأويه.
يقال أن الأفاعي السامة تولد بأن تلتهم جدار بطن الأم من الداخل،
وبنفس الطريقة “يحرق الحسد النفس التي تحمله”.
إننا نجد نفس التعليم عن أن الشخص الحسود يدمره الحسد في كل كتابات آباء الكنيسة.
أستطيع أن أنوه مثلاً للقديس نيكيتا ستيثاتوس الذي يقول أن الشخص الحسود
“يحترق بالغيرة من أولئك الذين تلقوا نعمة الروح في صورة حكمة ومعرفة إلهية”.
يذوب الشخص الحسود مثل الشمعة، لكن بدون أن يعطي ضوءاً لآخرين،
لكنه على العكس يظلمهم بخبثه الشخصي.
هوى الحسد يتسبب أيضاً في إيذاء الأشخاص الموجه إليهم.
إنه يتسبب في أذى كبير، وخصوصاً لو كان ضحيته
لا يمتلك القدرة والشجاعة الروحية للتعامل مع الموقف.
ابتعد الإنسان عن الله وترك مصدر الحياة بسبب حسد إبليس.
المعلم الأول للحسد كان الشيطان نفسه. لقد كان غيوراً من محبة الله الكبيرة للإنسان،
ولأنه كان غير قادر على أن يتكلم ضد الله، اشتكى ضد خليقته الذي هو الإنسان.
من خلال عمله ضد الإنسان، أصبح إبليس، واستمر، عدواً في حرب ضد الله
(القديس باسيليوس الكبير).
يعلِّم القديس مكسيموس أن الشيطان حثّ الإنسان على كسر وصية الله
“بسبب حسده لله ولنا”.
لقد حسد الله ولم يرد “أن تظهر قدرته المؤلهة للإنسان الأكثر مجداً”.
لقد حسد الإنسان ولم يرده أن يكتسب الشركة مع الله.
كان قايين أول تلميذ لإبليس في هوى الحسد.
“لقد كان أول تلميذ للشيطان لأنه تعلم منه الحسد والقتل” ووصل إلى قتل أخيه هابيل البار
(القديس باسيليوس الكبير).
فيما بعد كان شاول مدفوعاً بالحسد فانقلب على داوود الذي أحسن إليه.
فبينما كان داوود يسلّي شاول لكي ينقذه من الجنون، طلب شاول أن يقتله.
لقد أصبح داوود طريداً وطارده شاول لكي يقتله. لأي سبب؟
لأن داوود كان يفعل الخير لشاول باستمرار وبالتالي أثار حسده.
كما يقول القديس باسيليوس:
الحسد “هو نوع من العداوة صعب جداً في التعامل معه”.
تثير أعمال الصلاح الشخص الحسود أكثر.
تهدأ الكلاب عند إطعامها، وتروض الأسود عندما يُعتنى بها،
“إلا أن الحسود يصبح أكثر شراسة عندما يُعامل حسناً”.
تجعله الأعمال الصالحة أكثر غضباً.
يحلل القديس مكسيموس المعترف حالة شاول الذي اضطهد داوود
على الرغم من معاملته الحسنة له. إنه يقول أن مَن يكره شخصاً ما ويذمّه حسداً
لأنه يتفوق عليه في جهاد الفضيلة ولأنه أغنى منه في المعرفة الروحية،
يكون مصروعاً بروح شرير كما كان شاول.
إن ما يغضبه بالأكثر هو أنه لا يستطيع قتل من أحسن إليه.
وتماماً مثلما نفى شاول ابنه المحبوب يوناثان، هكذا الشخص الحسود يطرد عنه
“التعقل الفطري الذي لضميره” لأنه يوبخه على بغضته الخاطئة
ويعطي بياناً حقيقياً عن إنجازات الشخص الآخر.
بالمِثل، من خلال الحسد، بيع يوسف للمصريين من قِبَل إخوته وصار عبداً.
يقول القديس باسيليوس:
“هنا نتعجب من بشاعة المرض!”.
لو كانت أحلام يوسف حقيقية، فمن كان يستطيع منعها من أن تتحقق؟
لو كانت أوهاماً خاطئة فلماذا الحسد؟ الأشياء التي فعلوها لإيقاف النبوة أعدت الطريق لتحقيقها.
يشير تعليق القديس باسيليوس هذا إلى أن الحسد لا معنى له.
في أغلب الأحيان عندما نغار من إخوتنا فإننا في الواقع نعد لهم،
دون أن ندرك ذلك أو نريده، طريق مجدهم وخزينا.
معاصرو المسيح أسلموه إلى بيلاطس حسداً.
يقول القديس متى الإنجيلي عن بيلاطس:
“لأنه علم أنهم أسلموه حسداً” (مت18:27).
لقد كانوا يغارون منه لأنه صنع معجزات،
وعمل الخير للناس بطرق عديدة متنوعة. فرح وخلاص الآخرين جلبا الحزن والقنوط للشخص الحسود.
لقد وصل الحسد لدرجة ارتكاب أعظم جريمة في التاريخ بقتل المسيح.
يكون الحسد ميالاً باستمرار للقتل.
السبب الجذري للقتل هو الحسد، والقتل هو ثمرة الحسد.
يكتب القديس غريغوريوس بالاماس عن هذا الموضوع قائلاً:
“…الحسد يميل للقتل. لقد تسبب في أول جريمة قتل ومؤخراً في ذبح الله”.
إذ يفكر القديس ثالاسيوس في اليهود الذين دعوا المسيح بعلزبول
لأنهم افترضوا أنه صنع المعجزات بقوة الشيطان ينصح قائلاً:
“أنظر إلى اليهود ولاحظ نفسك بعناية؛ إذ أن اليهود أعماهم الحسد
وتعاملوا مع ربهم وإلههم خطئاً على أنه بعلزبول”.