لماذا نرتل؟
ولماذا لا نستخدم الالات الموسيقية في الليتورجيا؟
الترتيل او التسبيح هو أرقى أنواع الموسيقى،
لأنه بينما هو يغذي النفس بالنغمات، إذ به يرفع الروح درجات ودرجات نحو الذي جبلها،
فتجعل الإنسان يعلو فوق الرغبات وينفصل رويدا رويدا عن ضجيج الأرض،
ليتحد شيئا فشيئا مع الأجناد السمائية،
قال أحد علماء الحملة الفرنسية في كتاب
"وصف مصر - الجزء السابع":
"أنه كلما إقتربنا بإتجاه العصور الحديثة،
كلما بدأ هذا الفن الموسيقي تدريجيا يفقد من وقاره ومن صرامته،
وكلما أصبح هشا تافها"،
يقول القديس كليمندس السكندري
"إن الموسيقى ينبغى لها أن تهدف إلى التحلي بالأخلاق وتهذيبها،
أما الموسيقى الزائدة عن الحد فينبغي نبذها إذ أنها تمزق الإحساس وتؤثر على المشاعر
بدرجات متفاوتة لدرجة أنهاأحيانا ما تكون محزنة،
وأحيانا بلا حياء تثير الغرائز، وأحيانا صاخبة تدفع للجنون".
ومن هنا تكون أهمية إختيار نوع الموسيقى التي نسمعهاأو نـُسمّعها لأولادنا،
يقول المرتل
"طوبى للشعب الذي يعرف التسبيح
يارب بنور وجهك يسلكون بإسمك طول النهار يبتهجون"
(مز89: 15-16
قال القديس باسيليوس
"إن الترتيل هو هدوء النفس ومسرة الروح،
يسكن الأمواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا،
يطرد الأرواح الشريرة ويجذب خدمة الملائكة وهو سلاح في مخاوف الليل".
لذلك فالعهد القديم كله قائم على تسبيح الله،
بل قيل عن عصر داود النبي أنه عين
"أربعة آلاف مسبحون للرب بالآلات التي عملت للتسبيح وقسمهم داود فرقا"
وعلم السيد المسيح بنفسه التسبيح لتلاميذه حين سبح مع تلاميذه الأطهار،
إذ أنه في العلية، وبعد أن أعطاهم جسده المقدس ودمه الذكي الكريم،
يذكر القديس مرقس الإنجيلي صاحب العلية
"ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون"
(مر14: 26)،
وكان مسيحيوالأجيال الأولى يستعملون التراتيل وكانوا
"كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله"
(لو24: 53)،
وهكذا أوصانا الرسول
"مكلمين بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب"
(أف5 19 )،
بينما كانت موسيقى المجمع(اليهودي) صوتية أي تعتمد على الصوت البشري،
وكانت موسيقى الهيكل آلية أي تستعمل كل الآلات الموسيقية،
فلما إنفصلت الجماعة المسيحية الأولى عن المجمع والهيكل وأستقلت،
أخذت طقسها اللحني أثناء الليتورجيا من المجمع اليهودي
معتمدة على الصوت البشري فقط وأقتصر الناقوس والتريانتو
على ضبط الإيقاع في التسبيح والذي هو( الايصون ) في الالحان البيزنطية .
تتنوع أساليب الأداء لهذه الألحان بين أسلوب التسبيح في خورسين
والذي يسمى بالأنتيفونا Antiphonal Signing
وكل واحد يرد على الآخر،
وأسلوب التسبيح التجاوبي، أي بأن يجاوب الشعب أو الخورس على الكاهن أو المرتل،
ويسمي بالتسبيح الريسبونسريالي Responsorial.
كما يوجد أيضا التسبيح الفردي Solo.
والتسبيح الجماعي.
إن هذا التنوع في أساليب الأداء يساعد على وصول المضامين الروحية المختبئة بين النغمات.
لذلك لا يصاحب هذه التراتيل او الألحان في الليتورجيا المقدسة أية آلات موسيقية،
وهو أسلوب عرف في الكنيسة الاولى وانتشر في العالم باسم
"أكابيلاAcappella "،
وهو الأسلوب الذي اشتهر به الموسيقار "باليستريا"
في القرن السادس عشر.
وقد يصاحب الآلحان ، آلة الناقوس
"Cymbals" والمثلث "Triangle" لضبط الإيقاع،
ولإعلان حالة الفرح التي تعيشها الكنيسة في هذه المناسبة،
إلا أنه يمكن تقديم هذه الألحان بالآلات الموسيقية خارج الليتورجيا المقدسة،
ويفسر البعض منع استخدام الآلات الموسيقية في العهد الجديد بـالأتي:
أولاً-
أن الرعايا لم تستطع أن تشترى آلات غالية الثمن،
كالتي إستخدمت في العهد القديم، لأن الكنائس في العهد الجديد،
كانت دائمة الإنتقال لسبب الإضطهاد،
لذا لم يكن لها وقت لتطويرالموسيقى أو لتدريب الموسيقيين.
ثانياً-
يعلل أحد الباحثين عدم إستخدام الآلات الموسيقية بالكنيسة بأن الطبيعية المعمارية
لكنائس العصور الأولى والتي كانت تبني تحت الأرض هربا من الإضطهاد
كانت لا تسمح للألحان أن تؤدي إلا بالأصوات البشرية فقط،
ومن المستبعد أن تكون الآلات الموسيقية خاصة الإيقاعية
قد إستخدمها هؤلاءالمضطهدون الذين يتعبدون وهم مهددون بالموت في أية لحظة.
ثالثاً-
ويفسر البعض منع إستخدام الآلات الموسيقية في الليتورجيا المقدسة
لأنها كانت تشكل عنصرا أساسيا في المعابد الوثنية،
ولكي لا يوجد ربط ذهني من بعيد أو من قريب بين عبادة السيد المسيح والعبادات الأخرى،
وذلك تركيزا لأنتباههم في قوة الصلاة والكلمات الإلهية.