انجيل الحياة بعد 20 سنة!
البابا يوحنا بولس الثاني وثقافة الحياة!
بدأ البابا القديس يوحنا بولس الثاني، انجيل الحياة، منذ عشرين سنة، باستذكاره اللحظة التي يطلق عليها اسم "فجر الخلاص". فهذه اللحظة هي صلب الإنجيل – البشرى السارة التي ينبسق عنها كل الفرح والخير. وهذه اللحظة المحورية هي بطبيعة الحال تجسد ولادة يسوع المسيح. ومن الطبيعي أن تكون الولادة صلب الحياة البشرية، أي الحصول على الحياة والحصول عليها بوفرة. لكن ما معنى الحياة الوفيرة بالنسبة للانسان المعاصر، بعد ألفي سنة على ولادة المسيح؟ ويفسر يوحنا بولس الثاني قائلاً: يُدعى الانسان الى عيش الحياة بملئها أي أبعد بكثير من أبعادها الأرضية إذ يقضي ذلك مشاركة حياة اللّه. وعلى حركتنا وقرارنا الاحتكام الى معرفتنا بأن اللّه خلقنا بمحبة وأعطانا "هدية الحياة الأبدية."
ولا يسعني سوى ان اتذكر هذا السؤال المفصلي في التعليم المسيحي: "لماذا خلقت؟" ليكون الجواب: "لأعرف وأحب وأخدم اللّه." ويؤكد الانجيل على هذه الحقيقة الأساسية خاصةً عندما يعلن المسيح عن وصيته وهي محبة القريب حبنا للّه ونفسنا.
وتؤكد التجربة الحياتية هذه الحقيقة التي اعطانا اياها اللّه. ولا يعود الناس عادةً الى اللحظات الحياتية عندما يستعيدوا شريط السنوات الماضية من باب الصدفة. فيتذكر المتزوجون لحظة تبادلوا النذور ويعدد الأمهات والآباء ولادات أبنائهم على اعتبارها لحظات فرح لا وصف لها. فالطفل هو ثمرة حب الزوجَين، هدية من اللّه للوالدَين والعالم - ولأصدقاء هذا الطفل المستقبليين وأحباءه وأطفاله. وأخيراً، يكون الموت، في حال فهم بالطريقة المناسبة لحظةً للحياة الجديدة، لحظة يترك كل واحدٍ منا على حد قول يوحنا بولس الثاني الواقع "ما قبل الأخير" لهذه التجربة الأرضية ويدخل (حسب ما نتمنى) الملكوت، الواقع الأخير الذي ينقلنا الى عند اللّه الآب.
وعلى الرغم من جمال ما تقدم، إلا أنه لا يسعنا أن ننكر أننا نعيش في عالمٍ ساقط. ولا يسهل علينا دائماً بذل الذات في الظروف الصعبة. قد يكون انجاب الأولاد اقتراح غير مناسب في حين ان وسائل منع الحمل فرضية جاذبة. وقد يبدو الاجهاض الخيار الوحيد عند مواجهة تحدي يبدو غير قابل للتخطي ألا وهو انجاب ولد ذي احتياجات خاصة. كما قد يبدو مشاهدة أحد الأحباء ينازع أمراً لا يحتمل في حين يبدو "الموت الرحيم" خياراً أسهل.
وبعد عشرين سنة على اصدار "انجيل الحياة"، أغرتنا التكنولوجيات الجديدة من أجل نكران نعمة الحياة التي وهبنا اياها اللّه ونحاول عوضاً عن ذلك السيطرة عليها. فنحن نواجه الآن الى جانب الاجهاض والموت الرحيم، خيارات التلقيح الاصظناعي في حال العقم أو وهب السائل النووي أو البويضة.
تعد كل هذه الأمور بالسعادة إلا انها لا تعطيها في نهاية المطاف. هذه هي رسالة انجيل الحياة" التي قد تناسب يومنا هذا أكثر من العقدَين الماضيَين. يهين الناس الحقيقة بقولهم ان الكنيسة الكاثوليكية دائماً ما تقول "لا" وتستخدم الناس من أجل فرض سلسلة من القواعد التي يضعها رأس الهرم إذ هي تقول "لا" للانتهاكات الحاصلة بحق الحياة عيشها بملئها.
يسعى "انجيل الحياة" الى التذكير بالقانون المطبوع في القلب- القانون الذي يعتبر مصدر الرجاء الذي لا يقهر والفرح الحقيقي في كل حقبة تاريخية. لن يتغير انجيل الحياة هذا أبداً. فالحصول على محبة اللّه بغض النظر عن التكنوجيات الجديدة والثقافات والإيديولوجيات الجديدة، يعني الانفتاح للحياة والتسليم بأنها لن تخذلنا.
واعترافاً بأهمية الإرشاد "انجيل الحياة" وبعيده العشرين، فنّد عدد كبير من الكهنة والعلماء المواضيع الغنية التي يحتوي عليها ومنها المعنى الحقيقي للحرية والارتباط بين حماية الحياة وحياتنا الروحية وجريمة الإجهاض والموت الرحيم المزدوجة وأهمية المسائل الحياتية في مجتمعنا وكيفية المحافظة على ثقافة الحياة من أجل الأفراد كما المجتمع.
ومع ازدياد محبتنا ومعرفتنا بالهدية الفريدة التي أعطانا إياها اللّه، علينا بالاعتراف بالمسؤولية الموضوعة بين يدَينا لتقاسم هذه المعرفة. ويذكرنا يوحنا بولس الثاني بالقول: "يوّجه انجيل الحياة الى المجتمع البشري بأسره لكي يكون مناصراً للحياة والمساهمة في تجديد المجتمع من خلال الترويج للخير العام." لدينا اليوم الفرصة لتجديد التزامنا بالدفاع عن الحقيقة لا لاعتبار ذلك من واجبنا الروحي بل رغبةً منا في مشاركة الفرح والاعتراف بنعمة الحياة.