قوة اسم يسوع"
"عظيمٌ هو اسم ابن الله وغير محدودٍ ويضبط العالم بأسره"، هذا ما يؤكده كتاب الراعي لهرماس. لا يمكننا أن نفهم عمق صلاة يسوع في التقليد الأرثوذكسي ودورها في الحياة الروحية إن لم نشعر ولو قليلاً بمعنى وبقوة ونعمة اسم يسوع.
فإن كانت صلاة يسوع ذات فاعليةٍ مميّزة عن سائر الصلوات الأخرى فذلك يعود لاسم يسوع الذي تحويه.
في العهد القديم، كما في حضاراتٍ أخرى قديمةٍ كثيرة،
يوجد تطابقٌ عميقٌ وأساسيّ بين الإنسان ذاته وبين اسمه، فكلّ شخصيةٍ وميزاتها تنطوي تحت الاسم.
أن تعرف اسم شخصٍ ما فهذا ينوب عن معرفته بالذات وكأنك بذلك تتعرّف إليه حقاً
، وتبني معه علاقةً محددة،
ولربما نوعاً من السيادة عليه، لهذا رَفضَ الملاك، الذي صارع يعقوب عند بئر مجرى يعقوب،
أن يكشف له عن اسمه. نجد الموقف نفسه في جواب الملاك لـ منوح: "لِمَ سؤالك عن اسمي، واسمي عجيبٌ؟".
والتغيير في الاسم كان يعني أيضاً تغييراً جذرياً في منحى الحياة، كما بدّل أبرام اسمه وصار إبراهيم، ويعقوب صار "إسرائيل". بالأسلوب نفسه تبدّل اسم شاول، عند ارتداده، إلى اسم بولس.
ويأخذ الراهب في خدمة الرسامة الرهبانية اسماً جديداً،
عادةً ليس من اختياره، لكي يظهر التغيير الجذري الحاصل.
في التقليد العبري، أن تقوم بشيءٍ باسمِ آخر، أو أن تدعو وتتوسّط باسم شخصٍ ما، هي أمورٌ ذات أهميةٍ كبيرة. عندما تتوسّط باسم أحدٍ ما فكأنك تجعله حاضراً.
عندما يُذكر الاسم، فإنّ هذا الاسم على الفور يستدعي نفسه، لهذا استدعاء اسمٍ ما له هذه الأهمية
. كلّ ما ينطبق على اسمٍ بشري ينطبق بالأكثر وبلا قياسٍ على الاسم الإلهي.
مجد الله وقوّته حاضران في اسمه ويعملان حين استدعائه.
اسم الله هو "عمانوئيل" أي الله معنا.
فمَنْ يستدعي اسم الرب بإرادته وبانتباهٍ هو كمَنْ يرتمي في أحضان نعمته وكمَنْ يتقدّم للرب كضحيةٍ حيةٍ في يدي الله. إلى هذه الدرجة كان الشعور بعظمة اسم الله عند اليهود حيث "الرباعي" ( يهوه)
لم يكن يُلفظ بشكلٍ مسموع حتى في العبادة في المجمع،
إلى هذه الدرجة هو مؤثّرٌ لفظ اسم العليّ.
عَبَرَ هذا المفهوم للاسم من العهد القديم إلى العهد الجديد، فشياطين طُرِدَتْ وأناسٌ تعافوا من أوجاعهم باسم الرب يسوع، لأنّ الاسم هو قوةٌ عندما تُكرَّم هذه القوة كما يليق وتُعطى قيمتها الحقيقية.
هناك آياتٌ كثيرةٌ أخرى ذات أهميةٍ توضح قوة الاسم الإلهي،
كما في الصلاة الربّانية: "ليتقدّس اسمك"، أو في صلاة يسوع الوداعية: "كلّ ما تطلبونه من الآب باسمي يكون لكم"
، وصيته الأخيرة لتلاميذه: "اذهبوا وبشروا كلّ الأمم، معمِّدين إياهم باسم الآب والابن والروح القدس"، مصارحة بطرس الرسول أنه لا خلاص إلا "باسم يسوع الناصري"، كلمات بولس الرسول:
"لكي تجثو باسم يسوع كلُّ ركبةٍ" والاسم السرِّي الجديد الذي سيُعطى لنا على حصاةٍ بيضاء في الأيام الأخيرة.
تشكِّل هذه الأهمية الكتابية لاسم يسوع الأساس والقاعدة لصلاة يسوع.
اسم الله مرتبطٌ بشكلٍ فعليٍّ بشخصه،
هكذا فإنّ استدعاء اسم الرب ذو طابعٍ سريٍّ خاصّ، وينوب عن حضور الرب غير المنظور وعن فعله السري لمسيحيي اليوم، كما كان في الزمن الرسولي، اسم يسوع هو قوة، بحسب شيخَي غزة القديسيَنْ برصنوفيوس ويوحنا (القرن السادس).
"تذكّر اسم الله فتحطّم أيّ روح شرّ". "اجلدْ أعداءك باسم يسوع"، ينصحنا القديس يوحنا السلّمي، "لأنه لا يوجد سلاحٌ أقوى منه لا في السماء ولا على الأرض... فليلتصق ذِكْر يسوع بنَفَسِكَ فتعرف حينذاك منفعة الهدوء".
فعلاً للاسم قوة، لكنّ ترداده بشكلٍ ميكانيكي غير واعٍ لا يفيدُ شيئاً.
ليست الصلاة القلبية لاسم يسوع سِحْراً ولا حجاب شعوذة. كما في كلّ الخدم الأسرارية الأخرى، الإنسان مدعوٌّ أن يشارك في العمل مع الله بواسطة إيمانه الحيّ ومحاولته النسكية والجهادية.
يتوجب علينا إذاً أن ندعو اسم يسوع بوعيٍ وبذهنٍ مركّز وبسهرٍ داخلي مثبّتين أفكارنا في تأمّل وفهم كلمات الصلاة، واعين إلى مَنْ نتّجه في طلبنا ومَنْ هو الذي يجيب عن سؤال قلبنا.
صلاةٌ حارّةٌ كهذه ليست سهلةً في الواقع منذ البداية، لهذا أحسنَ القديسون بتسميتها الاستشهاد السري.
يتكلّم القديس غريغوريوس السينائي باستمرارٍ عن "الشدة والجهد" اللذين يتعرّض لهما كلّ مَنْ يسلك درب هذه الصلاة. هناك حاجةٌ إلى محاولةٍ "لا تنقطع"، كلّ مَنْ يدخل هذا الجهاد سيأتيه الفكر بتركه وذلك "لشدة الصبر والانتباه المطلوب من الذهن".
"ستتعب أكتافكم وستشعرون مرّاتٍ كثيرة بأوجاعٍ في الرأس، لكن اصبروا دائماً بشوقٍ ملتهبٍ طالبين الرب بقلوبكم". فقط بإيمانٍ وصبرٍ هذا مقدارهما سوف نعرف القوة الحقيقية لاسم يسوع.
يحتاج هذا القرار لرجولةٍ تتحقق بالمواظبة على تكرار الصلاة، وقبل كلّ شيء، بالشكل الواعي واليقظ والمستمر. أوصى الرب يسوع تلاميذه قائلاً: "فإن صلّيتم فلا تكثروا الكلام عبثاً".
عندما يتم تكرار صلاة يسوع، بانتباهٍ ووعي وتركيزٍ داخلي، لا يكون "عبثاً"، للتكرار المستمر لصلاة يسوع نتيجةٌ مضاعفة: فأولاً يوحّد ويجمّع صلاتنا وثانياً يجعلها داخليةً وأكثر عمقاً.
(من كتاب قوة اسم يسوع)