17 أيار مريم أم البشر (3)
|
2-أمومة حقيقية وصيرورة جديدة.
"هوذا ابنك." في هذا الإعلان أكثر من تكريس لمريم في أمومةٍ روحيّة محض. هناك حالٌ جديدة، وصفةٌ جديدة ترتكز عليها أُمومتها.
فالمسيح لم يقل:" أيتها المرأة، تصرّفي مع يوحنا وكأنّه ابنك." لا، ولم يقل ليوحنا: "تصرّف مع مريم وكأنّها أمّك." بل قال:" أيتّها المرأة، هذا هو ابنك... وأنتَ يا يوحنا، هذه هي أمّك." فالأُمومة أُمومة حقيقية، والبنّوة بنّوة حقيقيّة. هناك حالٌ جديدة وصيرورة جديدة. قال أحدهم: "على الجلجلة، طرأ على العلاقة بين الأمّ والابن تحوَّلٌ بادر إليه يسوع: أمومة من نوع آخر غير الجسديّ، قد حلّت محلَّ أمومة مريم الجسديّة، هي الأمومة بالنسبة إلى تلاميذ المسيح الممثَّلين في التلميذ الذي كان يحبّه... إنّها بنت صهيون قد وَلدت بالأوجاع، وفي يوم واحد، الشعب الجديد(أنظر أشعيا 66/7- 8، يو 16/21). إنّها أورشليم أمُّ أبناء الله المشتّتين، قد عادوا وتجمعوا في هيكل أقنوم المسيح". صاحبُ هذا القول يتكلّم على التحوّل الحاصل في أمومة مريم، التي من جسديّة صارت روحيّة. ولذا، فلقد نعَتَ أحدهم وصيّةَ المسيح ب "العمل السرّيّ" نوعاً ما. وفي الحال، إنّ الكلام، في أسرار البيعة، يفعل ما يعني. هكذا مثلاً، في الإفخارستيا، كلامُ التقديس يحوّل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه. هنا، كلام المسيح يجعل، حقّاً وروحيّاً، مريمَ أُمَّ يوحنا، ويوحنا ابن مريم. هاتان الأمومة والبنوّة لم تكونا، قبل وصيّة المسيح، إلاّ مقدَّرتين في أمومة مريم بالنسبة إلى المخلّص رأسِ الجسد السرّيّ. فكان لابدّ من عملٍ إلهيّ مباشر، لكي ينتقل المقدَّر والمستتر إلى حيّز الوجود، وتبلغ النضوجَ تلك البذرةُ الدفين. هذا ما حصل على الجلجلة، حيث القدرة الخلاّقة والفادية أحدثتْ في مريم وفي يوحنا تحَوُّلاً أساسيّاً رافعةً إيّاهما إلى أمومة جديدة وبنوّة جديدة، أي إلى صيرورة جديدة حيث، في المسيح، تَحُلُّ روابطُ الإيمان محلَّ روابط الدم ("هذا هو جسدي")، فصار الخبز جسده. "هذه هي أُمّكم"، فصارت مريم أُمنَّا).يقول ألبير رُويه: "ساعة انكشفَ عمق أُقنوميّة المسيح، انكشف أيضاً عمق أقنوميّة مريم: إنّها قد وُجدتْ لتكون أُمّاً، ليس إلاّ. هذا هو كيانها العميق (...)، أن تكون أمّاً ليسوع ولكلّ مَن فيه يعيش، هو القائم من بين الأموات. لا ليست مريم عَرَضاً ولا هي أداة اختيرتْ بالصدفة ، بل هي تلك التي ترتبط دعوتها بتاريخ ابنها. إنّها الأم." يلتقي في ذلك مع الكاثوليك، بعض البروتستانت. يقول القسّ جان دي سوسور مخاطباً المسيح: "لمّا كان أنّي أموتُ معك على الصليب، فإنّ تلك الواقفة قُربه هي أيضاً واقفة بالقرب منّي ومن كلّ من يموت معك... إنّها تحتضن بحنانها نِزاعَ المسيحيّين، وهي بإرادتك أُمٌّ لكلٍّ من تلاميذك الذين تحبّهم. أيّها الإله الذي صار إنساناً، لقد أحببتَ فيها كنيستك التي صارت امرأة. يا صورةَ الله غير المنظور، لقد سلّمتنا فيها صورة الكنيسة غير المنظورة. "هي ذي أمّك." شُكراً لك يا رب، لمنحنا تلك الأُم اللذيذة. على كلّ حال، لمّا تفضّلت برحمتك وجعلتنا أخوةً لك، كيف لا تكون أُمُّك أُمّاً لنا، نحن أعضاء جسدك، الذين يجمعنا بك روح واحد؟" وكان أُوريجينس قد قال، في القرن الثالث: "إن لم يكن لمريم إلاّ ابن واحد هو يسوع، وإن كان يسوع قد قال لأُمّه: "هوذا ابنك"، لا: "هذا ابنٌ آخر"، فكأنّنا به يقول: "هوذا يسوع الذي وَلدتِ." وفي الحال، إنّ كلّ من اكتمل اتحاده بالمسيح، لم يعد هو الذي يحيا، بل هو المسيح الذي يحيا فيه-غل 2/20- ولأنّ المسيح يحيا فيه، فعنه يقول لأُمه (وعنك أيّها المستمع، وعنّي): "هوذا ابنكِ المسيح."