القدِّيس يوحنَّا الذهبِيّ الفَم : نصائح للحياةُ الرُّوحِيَّةُ داخِل البيت
إنّ القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم (349 - 407 م.) هو من القدّيسين الأنطاكيّين الأكثر إكرامًا في الكنيسة الأرثوذكسيّة. كان رجلًا قصيرَ القامة، ولكن عظيمَ الإيمان بالله.
عشق الكتاب المقدّس، وحاول أن ينهَلَ منه ليفيد المؤمنين بشكل عملِيّ وحياتِيّ.
فشرح، بعظات كثيرة وطويلة، كيفيّة عيش إنجيل المسيح يومًا بعد يوم. أحبَّ هذا الرّاعي رعيّته، وبذل نفسه لأجلها حبًّا بالله وفداءً لحقِّ الإنجيل. إنّ سَعْيَهُ الدّؤوب، لشرح وسائل تساعد المؤمنين في الاقتراب من الله والاستنارة، كان بمثابة هدف حياته كلّها.
من أهمّ ركائز رؤية القدّيس للحياة المسيحيّة هو تشديده على تجسيد الحياة الرّوحية في العائلة. رأى هذا القدّيس، الأنطاكيّ، أنّ دعوة الزّوج والزّوجة هي في جعل بيتهما "كنيسة صغيرة"،
وأن يكونا أيقونات حيَّة أمام أعين أولادهما.
لذا، دعاهما ليشجِّعَا بعضهما البعض في العمل الرّوحيّ، وأن يُلْهِمَا أولادهما على عيش حياة التَّقْوَى والفضيلة من خلال نصحٍ وتشديدٍ متبادَلَيْن، ومن خلال مِثَال حياتهما اليوميّة.
يقول القدّيس: "لتُشدِّدِ النِّساءُ أزواجَهُنَّ، ولينصَحِ الرّجالُ نساءَهُنَّ".
يعطي القدّيس نصائح عمليّة للزّوج والزّوجة بأن "يُصَلِّيَا معًا في البيت، ويذهبا معًا إلى الكنيسة، وعند عودتهما من الكنيسة ليسألا بعضهما البعض عن معنى القراءات والصّلوات".
في إرشادات القدّيس نرى أنّه ينظر بمساواة بين الرَّجل والمرأة في العمل الرّوحيّ، ويتوقّع نوع من التّبادُلِيَّة بينهما. وحتَّى، يقترح القدّيـس نوعًا من "المنافـسة" بين الزّوج والزّوجة، في جهادهما الرّوحيّ،
فيقول: "ليشدِّد كلّ واحد منكما الآخّر في عمل الفضيلة. ليكن هناك نوع من المنافسة في عيش النّاموس (أي الصّلاة والصّوم وعمل المحبّة).
ومَن صار أوَّلًا ليشدِّد من يتسكّع في الوراء".
ويقول الكلام ذاته بخصوص حضور أعضاء العائلة الصّلوات الكنسيّة: "لِيُحَرِّضُوا بعضهم البعض ويحُثُّوا أنفسهم على حضور الصَّلَوَات: الأب ابنه، والابن أبيه، والرّجل امرأته، والمرأة زوجها".
بالنّسبة للذّهبيّ الفم، أفضل طريقة لكي يتشرَّبَ الأولاد الحياة الإلهيَّة تكون من خلال مِثَالِ حياة الأهل اليوميّة. يراقِبُ الأولاد تصرّفات أهلهم: "إن كنّا (كعائلة) نسعى وراء الكمال، الأمور الثّانويَّة تَتْبَع. يقول الرّبّ: "أمَّا أَنتم، فاطلبوا أَوَّلاً ملكوت اللهِ وبِرّهِ، وهذه كلُّها تُزادُ لكم" (متَّى 6 : 33).
كيف، إذن، ستكون شخصيّة الولد الّذي أهله هم هكذا؟.
عامَّةً، تكون شخصيّة الأهل مطبوعة في الأولاد، وهم يَتَقَوْلَبُونَ بقالَبِ شخصيّة أهلهم.
يحبّون ما يحبّه الأهل، ويتكلّمون بلهجة أهلهم، ويعملون للوصول إلى الأهداف الّتي وضعها أهلهم لأنفسهم. فالأب، إذا ضبط نفسه في حبّه للمال أو في شهواته أو نزواته، يؤثّر بفاعليّة كبرى على ابنه وابنته، ويعطيهم مثالًا عظيمًا في الحياة، ولهذا يعمل الأب على تحسين حياته الرُّوحيَّة حتّى لا يشوِّه المثال الَّذي يقدّمه لأولاده.
وهكذا تعمل الأمّ أيضًا، كي يصبح البيت كنيسة، أي بيت الله، فتَنْعَمُ العائلة بسلام الله وفرح خلاصه.