للقديسة مريم بواردي أصول لبنانية وهي تتحدّر من عائلة حداد
خرجت القديسة المشرقيّة مريم بواردي أو مريم ليسوع المصلوباليوم من الظلّ إلى العالم، بعد أن بقيت منسيّة لقرن من الزمن رغم أنها عاشت حياتها المسيحيّة ببطولة خارقة تحدّت فيها الموت بالاستشهاد ذبحاً رافضة نكران إيمانها. مريم بواردي التي حملت سمات المصلوب في جسدها وقلبها، تُرفع اليوم قديسة على مذابح الفاتيكان، ويحمل إعلان قداستها رمزيّة ورسالة إلى كنيسة الشرق وأبنائها الذين يواجهون الاضطهاد من العراق إلى سوريا ويذبحون ويهجّرون ويغتصبون فقط لأنهم مسيحيّون، فهي اليوم مثالاً يخاطب وجود هؤلاء في أرضهم وتشبّثهم بالمسيح إلهاً لهم رغم الآلام والأحزان التي تعصر أفئدتهم، وكم يبدو طيفها حاضراً قرب تلك الخناجر التي تقطع الأعناق لتشدّد عزيمة من يُذبحون فيلفظون أنفاسهم الأخيرة في أحضان المسيح. إلى تلك الرمزية التي يشير إليها بعض الكهنة المتعمّقون بروحانية بواردي، ثمّة ما يشيرون إليه بفرح يحمل رجاء وأملاً جديداً للبنان، فمريم بواردي هي من أصول لبنانيّة.
يشكف تقرير عرضه تلفزيون تيلي لوميار، أن بواردي هي من بلدة حرفيش الواقعة في الجليل الأعلى، وهي محاذية للشريط الحدودي مع لبنان كما تشكّل امتداداً لبلدة رميش اللبنانية. أما عائلة بواردي فتتحدّر من عائلة حداد اللبنانية، التي وصلت إلى حرفيش منذ نحو 200 أو 250 عاماً، عمل قسم منهم في البناء والحجر، وقسم آخر في صناعة البارود وقسم ثالث في الزراعة، فتفرّعت العائلة إلى ثلاث عائلات أو تسميات، وحملت مريم عائلة بواردي نسبة لعمل والدها جريس بواردي في صناعة البارود.
بدوره يشير رئيس دير مار الياس في المعيصرة الأب جوزف شلالا الكرملي، إلى أنه "يقال إن جذور مريم بواردي لبنانيّة غير أنها لم تعش في لبنان، لكن المؤكد أنها زارت بيروت... في النهاية إن عائلات كثيرة مثل حداد وخوري وغيرها موجودة في لبنان وسوريا وفلسطين والحدود كانت مفتوحة على بعضها خلال تلك الفترة".
ويتوقّف الأب الكرملي عند سيرة تلك القديسة الكرمليّة التي يؤمن بأن لرسالتها رمزيّة كبيرة في الأزمنة الحاضرة،وخصوصاًعلى مستوى الشهادة لإيمانها، ليشرح أنها ولدتفي 5 كانون الثاني من العام 1846 في عبلّين بين الناصرة وحيفا من والدين مسيحيين ملتزمين هما جريس بواردي ومريم شاهين وقد توفّي لهما 12 صبيّاً في عمر الطفولة، فقرّرا الذهاب في رحلة حجّ إلى بيت لحم سيراً على الأقدام ليطلبا من العذراء أن يُرزقا بفتاة وهكذا كان فقد أنعمت عليهما العذراء بعد 9 أشهر بولادة مريم، وفي السنة التالية بولادة بولس. غير أن الوالدين توفّيا عندما بلغت مريم الثالثة من عمرها، فأخذ الخال بولس ليربيه فيما عاشت مريم مععمّها وانتقلت معه بعد سنوات قليلة للعيش في الإسكندريّة، فانسلخت عن أخيها ولم تره طيلة حياتها".
وتمتعت بواردي منذ صغرها بمواهب خاصة، "وكانت رغم صغر سنّها تصوم منذ أن كنت في الخامسة كل يوم سبت إكراماً للعذراء. في العام1858 بلغت مريم 12 سنة، فأراد عمّها تزويجها، لكنها رفضت رغبة منها في تكريس نفسها لله، فواجهت المعاملة السيئة. وبعد ثلاثة أشهر قامت بزيارة أحد خدم خالتها لترسل معه رسالة إلى أخيها بولس، فحاول أثناء العشاء إقناعها بترك المسيحيّة واعتناق الإسلام، غير أنها رفضت ودافعت عن دينها بشجاعة، فقام بذبحها. وتقول شهادة الطبيب أنه لا بدّ من أن ثمّة رب في السماء فلولاه لما عاشت هذه الراهبة، فقد بلغ طول الجرح 10 سنتم، أما عرضه 1 سنتم ما تسبّب بإتلاف 3 عقد دون قصبة الرئة". وأضاف شلالا أن "الرجل تعاون مع زوجته وأمّه على إخفائها، فألقوها في مغارة في 7 أيلول 1858،غير أن العذراء شفتهاوقادتهاإلى كنيسة القديسة كاترينا في مصر حيث عملت خادمة عند عائلة كريمة".
وفي ما يخص نذورها قال: "عملت في مرسيليا كخادمة عند عائلةالنجار السورية الأصل لمدة سنتين، لتسمح لها العائلة بعد ذلكبالتوجّه إلى الدير بعد ممانعة شديدة. فقرّرت الدخول إلى رهبنة القديس يوسف وكان عمرها 19 عاماًلترفض بعد سنتين. قُبلت في كرمل Pau في حزيران 1867 واتّشحت بالثوب الرهباني في تموز 1867 ليصبح اسمها مريم ليسوع المصلوب. بعد مرور 3 أعوام في كرمل Pau، أرسلت مريمإلى الهند لتأسيس دير في Mangalore،وفي هذه الفترة كثرت الانخطافات والرؤى،وكانت قادرة أن تكون موجودةفي مكانين في الوقت عينه، وما كان يحدث معها من أمور فائقة الطبيعة دفع بالراهبات إلى إعادتها إلى كرمل Pauفي العام 1872".
ولفت إلى أن "رغبة قلبها كانت تأسيس دير في بيت لحم، وافقت السلطات الكنسية على مشروعها، وصلت إلى بيت لحم في 12 أيلول 1875 لتسكن الراهبات في الدير في 21 تشرين الثاني 1876، وفي العام 1878 قامت بتأسيس دير في الناصرة بعد أن دلّها يسوع على عمّاوس فاشترت الأرض للكرمل. وبعد عودتها إلى بيت لحم لإكمال عملها، وقعت وهي تحمل الماء إلى العمّال فكسرت يدها وتفشّت الغرغرينا في جسمها، فماتت في 26 آب 1878 بعد أيام على كسرها يدها عن عمر 32 عاماً".