قال لي أحد الأشخاص:
"أنتم تُخطؤون في رسم الأيقونات البيزنطية للمسيح المصلوب عندما ترسمون المسمار موضوعاً في كفّ المسيح وهذا خطأ! لأن الرومان كانوا يدقُّونه في معصم اليد.."
فكان لي الجواب التالي:
هذه المعلومة تاريخياً صحيحة تماماً، حيث أن الرومان كان يدقّون المسامير في معصم اليد بين عظمتين، لكي يُثبَّت الجسد على خشبة الصليب، لأنه لو كان يُدقّ في كفّ اليد لكان سيتمزّق كفّ اليد بسبب ثقل الجسد وينزلق الشخص المصلوب على الأرض.. (أنظر الصور التوضيحية المرفقة)،
والكنيسة الأرثوذكسية طبعاً لا تجهل ذلك، بل نعلم هذه الحقائق التاريخية جيداً، ومع ذلك في الأيقونات البيزنطية دائماً تُرسم جراح المسامير في كفّ المسيح وليس في معصم اليدين فلماذا وما هو السبب ؟!
الأيقونة البيزنطية ليست "صورة فوتوغرافية" تنقل مشهداً في محدودية واقعه المنظور للعيان فقط ! فهي منذ نشأتها وعبر تطوِّرها كانت ولا زالت واسطة وأداة للتعليم اللاهوتي والعقائدي الأرثوذكسي، حيث أنها تتخطّى جمود الحرف والمعطيات التاريخية وتتسامى فوقها، لكي تحمل الينا تعليماً روحياً ولاهوتياً يتجلَّى ويظهر في أدقّ تفاصيلها الغنية بالرموز والمعاني العميقة.
انطلاقاً من الكتاب المقدس وتعاليم الآباء القديسين والليتورجية البيزنطية، تُقيم الكنيسة الأرثوذكسية باستمرار مقارنة بين آدم الأب الأول وبين المسيح الذي هو "آدم الثاني" (راجع مثلاً: رومية 12:5 و كورنثوس فصل 15)،
وفيما يخصّ الموضوع الذي نتحدث عنه، هناك قطعة رائعة في الليتورجية البيزنطية مشبعة بالمعاني اللاهوتية تُسلِّط الضوء على هذه النقطة وتُشكِّل المفتاح لفهمها وادراك معناها حيث تقول: " أيها السيد، مَددتَ كفَّيكَ على عود الصليب لكي تشفي كفَّي المجبول أولاً (آدم)،
اللتين لمّا مدَّهُما للأكل من العود بشراهة (شجرة معرفة الخير والشرّ) .." (كتاب الأوكتويخوس "الألحان الثمانية" - دور اللحن الثالث - سحر الجمعة - الأودية الثامنة).
فالمعنى أن آدم الجدّ الأول رأس البشرية، خالف وصية الخالق وأمسك "بكفِّي" يديه الثمرة المحرمة التي نهاه الله عن الأكل منها، فسقط في الخطيئة وجرّ السقوط لكافة البشرية، ولكن المسيح "آدم الثاني"
جاء ليفتدي أدم الأول وذريته من السقوط والفساد، حيث ارتضى الآلام الطوعية والموت على الصليب ليكفِّر عن خطيئة آدم المُتمثّلة بامساكه الثمرة المحرّمة بكفّي يديه مُجسّداً تمرُّده وعصيانه لوصية الخالق، لذلك ترسم الأيقونات الأرثوذكسية المسامير في كفّي المسيح (وليس في المعصم)
كوسيلة للتعبير عن أنه في نفس الموضع الذي أمسك به "آدم الأول" الثمرة المحرمة قبل أن يتناولها ويسقط..! كذلك المسيح "آدم الثاني" اقتبل الجراح الدامية في كفَّيه ليصنع لنا فداءً وشفاءً وخلاصاً، ويُكفِّر عن خطيئة "آدم الأول" وعصيانه عبر اتضاعه واقتباله الموت الطوعيّ من أجلنا فيمنحنا بقيامته المقدسة الخلاص.
وسام ريناوي