البابا فرنسيس في بوليفيا: هديتان ورمزان
تلقى فرنسيس لدى وصوله إلى بوليفيا هدية عبارة عن كيس مصنوع محلياً يحتوي على أوراق الكوكا، وصليب معلّق على المنجل والمطرقة. فما هي رمزيتهما؟
دّم كيس تقليدي محلي يحتوي على أوراق الكوكا كهدية استقبال وضعها الرئيسي البوليفي حول عنق خليفة بطرس لدى ترجله من الطائرة، بعد عناق حار بينهما. إنها هدية رمزية مزدوجة من هذه الأرض الجديدة التي وطأتها قدما فرنسيس عند الخامسة من عصر الأربعاء 8 يوليو، بعد تمضية يومين في الإكوادور. أطلّ البابا من الطائرة مرتدياً معطفه الأبيض الكبير، أمام نصف مليون شخص كانوا هم أيضاً يرتدون ثياباً سميكة. فمطار مدينة لاباس "إيل ألتو" حيث هبطت طائرة البابا يقع على ارتفاع 4000 متر (ما يجعله أعلى مطار في العالم). وبالتالي، توجد صعوبة في التنفس عندما لا يكون الإنسان معتاداً على هذا العلو الذي يكون فيه الأوكسجين نادراً. لكن البابا، رغم أعوامه الثمانية والسبعين، ورغم تنفسه برئة واحدة، حرص على الدخول إلى بوليفيا من باب هذه المدينة، إحدى عاصمتي البلاد (الأخرى هي سوكري) ومقر الحكومة البوليفية. وفي سبيل التخفيف من بعض الصعوبات، كان قد طلب الحصول على بعض أوراق الكوكا، النبتة الفعالة لمكافحة توعك الجبال.
تماسك اجتماعي وصِلة وصل بين الإتنيات
في بوليفيا، تعتبر الكوكا رمز الوحدة الوطنية والنضال ضد الرأسمالية الكبرى الداخلية أو الخارجية. هذه النبتة المعروفة منذ القدم في منطقة الأنديز وذات الميزات الطبية تُستهلك بكثرة من قبل السكان وبطرق شتى كالمضغ والشرب... ولكونها أداة تماسك اجتماعي، تعتبر صلة وصل بين السكان في هذا البلد الذي ينتمي فيه السكان الأصليون (الذين يشكلون حوالي نصف عدد السكان) إلى 36 إتنية مختلفة، حسبما يشير الدستور. هذا ما ذكّر به البابا بنفسه خلال الخطاب الذي ألقاه لدى وصوله مستخدماً هذه الكلمات الشعرية التي لاقت استحساناً كبيراً: "يا للفرح الذي نشعر به عندما نعلم أن الإسبانية التي نُقلت إلى هذه الأراضي تتعايش اليوم مع 36 لغة محلية ممتزجة مع بعضها البعض – كالأحمر والأصفر في زهرتي كانتوتا وباتويو الوطنيتين – لإعطاء الجمال والوحدة في التنوّع".
ممثلة للحضارة البوليفية والنظام الحالي
إن الكوكا التي ينميها المزارعون بأنفسهم أو منتجون صغار أو متوسطون، هي أيضاً النبتة التي تستخرج منها الكوكايين. من هنا، تُمارس ضغوطات، بخاصة من قبل البلدان الأكثر تأثراً باستهلاكها أو الاتجار بها، من أجل إعاقة زراعتها في أميركا اللاتينية. في بوليفيا، يناضل السكان والمنتجون ضد هذه البلدان منها الولايات المتحدة التي تؤيد تقليدياً الرأسماليين الكبار في قارة أميركا الجنوبية. وهذا النضال جسّده منتج الكوكا السابق وأول رئيس من السكان الأصليين (المنتمي إلى إتنية أيمارا) لدولة بوليفيا المتعددة القوميات، إيفو موراليس، الذي حيّا فرنسيس في خطاب استقبال سياسي كـ "بابا الفقراء". والهدية التي قدمها له كعلامة ترحيب تمثل الحضارة البوليفية ونظامها الحالي وحقيقته. ولا شك في أنه تأثر بـ "Jallalla Bolivia" التي أطلقها فرنسيس في ختام كلمته. هذه الكلمة بلغة أيمارا التي تعني الاحتفال بشيء مفرح هي تعبير مهم لسكان البلاد الأصليين. وقد ردّ عليه الحشد بصوت واحد!
الإنجيل وليس نزاع الطبقات
بعد بضع ساعات، وفي معرض زيارة المجاملة إلى القصر الرئاسي في لا باس حيث ذهب البابا في السيارة البابوية مرتدياً معطفاً أبيض، كان من المفترض أن يقدم له الرئيس هدايا أخرى. كانت من بينها هدية مفاجئة عبارة عن المسيح المسمّر على شعار الشيوعية: المنجل والمطرقة. إضافة إلى ذلك، وضع الرئيس الاشتراكي حول عنق البابا صورة بشكل قلادة. هذه الهدية تعكس الحيرة التي لا تزال موجودة في أميركا الجنوبية بين الخيار التفضيلي للفقراء وصغار الكنيسة، بالاستناد إلى محبة المسيح لهؤلاء، حسبما قال البابا بنفسه في الكلمة التي ألقاها لدى وصوله، وصراع طبقات الأنظمة الديكتاتورية الشيوعية. إنها أنظمة ديكتاتورية ألحقت أضراراً كبيرة بالمسيحيين في شتى أنحاء العالم. ولا شك أن راعي الكنيسة الجامعة فكر فيهم عندما تسلم هاتين الهديتين. خلال اليومين اللذين سيمضيهما في هذا البلد، سوف يتوجب عليه أن يزيل هذه الحيرة. وهذا هو أحد تحديات القسم الثاني من الرحلة الرسولية إلى أميركا اللاتينية.