أيقونة سيّدة فلاديمير (فلاديميرسكايا)
إنّ أيقونة والدة الإله (الفلاديمريّة) هي من الأيقونات الّتي، في التراث، إنّ القدّيس لوقا الإنجيليّ صوّرها. في الرّواية، في شأنها، أنّها مصورة على لوحٍ من المائدة الّتي كان مخلّصنا يتناول عليها الطعام مع أمّه الفائقة القداسة ويوسف الصّديق. كذلك ورد أنّ لوقا الإنجيليّ صوّر هذه الأيقونة في حياة والدة الإله وحملها إليها. فلمّا عاينت رسمَها عليها ردّدت قولها النبوي: "ها إنّه منذ الآن تطوبني جميع الأجيال" وأضافت: "لتكن نعمتي ونعمة المولود مني مع هذه الأيقونة".
وصولها إلى روسيا
في القرن الخامس (حوالي ٤٥٠م)، نُقلت هذه الأيقونة من أورشليم إلى القسطنطينيّة على عهد الأمبراطور ثيوذوسيوس الأصغر. وبعد سبعمائة سنة، بعث بها، في القرن الثّاني عشر، بطريرك القسطنطينيّة لوقا خريسوفيرغ إلى كييف إلى الأمير العظيم يوري ابن الأمير فلاديمير دولغورو كوف فوُضعت في ديرٍ للعذارى في فيشغورود كييف الّتي كانت مدينة إقطاعيّة للأميرة التّقية أولغا.
هناك اشتهرت الأيقونة بالعجائب العظيمة الّتي جرت بها. ولمّا كانت هذه الأيقونة من تصوير القدّيس لوقا الإنجيليّ استقبلها الرّوسيون بمحبة واحترام عظيمين. والكنيسة التي وُضعت فيها في مدينة فلاديمير، لاحقًا، سمّاها المؤرّخون القدماء "الشهيرة". واعتاد الأمراء ورؤساء العساكر الرّوسيّون أخذها معهم إلى الحروب. ولمّا كانوا يستعدّون للمعارك "كانوا يركعون باكين قدّام الأيقونة العجائبيّة ويصلّون ساعاتٍ طويلةٍ ذارفين الدّموع."
إلى فلاديمير
في سنة ١١٥٥م ولّى الأمير العظيم يوري ابنَه الأمير أندراوس على مدينة فيشغورود. ذات مرة دخل إكليروسُ ديرِها إلى الكنيسة فرأوا الأيقونة تركت مكانها ووقفت في الهواء فوق وسط الكنيسة، فأعادوها إلى مكانٍ جديدٍ ولكنّهم رأوا في الحال أنّها عادت لتقف في الهواء. ويروي أحد المؤرّخين عن الأمير أندراوس بوغوليوبسكي:
"أنّ إيمانه كان عظيمًا ومحبّته لوالدة الإله الفائقة القداسة حارّة، وعلى شفتيه كان دائمًا اسم المسيح واسم أمّه الفائقة النّقاوة".
هذا بلغه خبر الأيقونة العجائبيّة وعدم رضاها بالمكان الّذي أُقيمت فيه ففكّر: "هل ترضى بأن تستقر في أرض سوزدال؟". وكان هذا الأمير ينوي، منذ زمن طويل، أن يبتعد عن جنوب روسيا إلى إقليم روستوف في الشمال ويوطّد هنالك إمارة مستقلّة عن كييف. فأخذ يصلّي بحرارةٍ قدّام الأيقونة وأقام صلاة الابتهال وأخذها بورعٍ مع جميع الكنوز، على غير علم من أبيه، وانطلق ليلاً من فشغورود إلى إمارته الشماليّة.
في طريقه إلى سوزدال كان يحتفل بصلاة الابتهال قدامها ويرى منها العجائب الوافرة. فلمّا بلغ نهر فوزا أرسل فارسًا ليفتش عن معبر، وإذ به يغوص مع حصانه في الماء. فحزن الأمير عليه وصلّى من أجل نجاته أمام الأيقونة العجائبيّة وما إن أنهى صلاته حتّى ظهر الفارس بغتةً على النّاحية المقابلة من الشاطئ سالمًا. وحدث أيضًا أنّ الحصان الحامل مَتاع الكاهن المصاحب للأيقونة المقدسة رمى الخادم عن ظهره وكسر رجله وداس زوجة الكاهن وجرَّها بأسنانه حتّى لاقت حتفها.
فابتهل الكاهن اليائس قدام الأيقونة المقدسة فعادت المرأة إلى الحياة وشفي الخادم. وقبل أن يبلغ الأمير مدينة فلاديمير لاقاه أهلها بفرح عظيم على نهر كْليازمة. ثم اتجه إلى روستوف ولكن على بُعد عشرة فراسخ من فلاديمير، عند مجرى النّهر، أُمسكت الخيل الجارة مركبة الأيقونة وامتنعت بقدرة خفية عن الجري إلى ما هو أبعد. فظنّ سائقها أنّها أُعيت فأوثقوا العربة إلى غيرها فأمسكت هذه أيضًا بتلك القوة ذاتها ولم تتحرّك من مكانها.
وبعد أن صلّى الأمير بحرارةٍ قدام الأيقونة العجائبية تلقى الأمر من والدة الإله بأن يجعل أيقونتها في فلاديمير. فشرع لساعته في بناء كنيسة من حجر ووضعها هناك لوقت بصورة مؤقّتة. وسمّى المكان "المحبوب من اللّٰه" لأنّ والدة الإله أحبّته. شيّد الأمير في فلاديمير كنيسة بديعة جدًا سنة ١١٦٠ م وزيّنها بأبّهة عظيمة ونقل إليها الأيقونة العجائبية الّتي جملّها بنحو ثلاثين أوقية من الذهب ما خلا الفضة والحجارة الكريمة واللؤلؤ.
من ذلك الحين سميّت الأيقونة العجائبية هذه بالـ"فلاديميريّة" وعُرف الأمير بـ"محبّ اللّٰه". هناك أيضًا تألّقت الأيقونة بالعجائب العظيمة.
المُدافعة عن الشعب الرّوسي
اشتركت هذه الأيقونة في معارك ومواقع عديدة شهدتها العساكر الرّوسية، بتأثير إيمان الأمراء والرؤساء والشعب أجمع بقوتها المنعمة. وبها ترتبط ذكريات عديدة مقدّسة. في سنة ١١٦٤ ذهب الأمير أندراوس ليواجه بلغار فوليج وأخذ الأيقونة مع الصّليب المحيي ثم تناول القربان المقدس قبل المعركة وصلّى لوالدة الإله قائلاً:
"كلّ من توكّل عليك أيّتها السّيّدة لا يهلك فأنا الخاطئ لي فيك سورٌ وسترٌ".
واقتدى به الجيش فقبّلوا الأيقونة باكين بعد أن صلّوا بحرارة واندفعوا برجاء وطيد وإخاء على الأعداء فهزموهم وبعد أن طاردهم الأمير بادر فقدم الشكر لوالدة الإله في مكان المعركة عينه. وفي ذلك الحين سطع من الصّليب الكريم ومن الأيقونة الفلاديميريّة نور شعّ على الجيش كلّه. فحُفظت ذكرى هذه الأعجوبة في التعييد الّذي يتمّ بالتطواف بخشبة صليب الرّبّ في أوّل آب.
وقد عُيّن هذا العيد سنة ١١٦٤م برغبة الأمير أندراوس وموافقة الأمبراطور اليوناني مانوئيل الّذي رأى في اليوم عينه النّور من صليب الرّبّ وقهر الهاجريين بأعجوبة إلهيّة. بعد أن قتل المتآمرون الأمير أندراوس بوغوليوبسكي سنة ١١٧٥م، نهب الشعب المفتون بالفوضى وإغراء القتلة مدينتي بوغوليوبوف وفلاديمير فاندفع حينئذ الكاهن الّذي جاء مع الأمير القتيل من فيشغورود وفتح ممرًّا في أسواق المدينة المزدحمة فيها جماهير النّاس
وهو مرتدٍ حلّة الكهنوت بكاملها وحاملاً الأيقونة العجائبيّة فأخمد الفتنة في الحال. وفي أوقات الفتن وسِني النكبات والملمات كان الشعب الرّوسي يلتجئ إلى والدة الإله أمام أيقونتها الفلاديميريّة.
وبهذه الأيقونة كان رؤساء الكهنة يباركون الأمراء العظام والقياصرة عند استوائهم على العرش وتتويجهم وفي مناسبات أخرى مهمة من حياتهم.