كما هي معزية هذه الآية "إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هَذَا كَانَ حَقّاً" فالكثير منّا يظن أنه بدون الآيات لن يؤمن أحدٌ بالمسيح. وحجتهم في ذلك أن الرسل وتلاميذهم القديسون من بعدهم، جعلوا الناس يؤمنون بالمسيح بواسطة الآيات والمعجزات التي كانوا يصنعونها. وهذا الأمر صحيح بعض الشيء، لكن ليس الجميع قد آمنوا بسبب الآيات بل أيضاً بسبب التعاليم السامية للرب. وأيضاً بسبب سيرة التلاميذ والقديسين. فكل منّا لا ينبغي عليه أن يكون قديساً يصنع المُعجزات ليستطيع أن يجلب الناس للمسيح. يكفي أن نتكلم للناس عن المسيح وعن تعاليمه السامية. وأن نكون نحن القدوة في تجسيد هذه التعاليم في حياتنا اليومية. فأحد الآباء قال: أريد أن أرى موعظة لا أن أسمع موعظة.
كما أن يوحنا الرسول لم يصنع معجزةً واحدةً، لكن سيرته العطرة وشجاعته وعدم خوفه من الملوك في قوله للحق أمامهم، وأيضاً بره وتجرده. كل هذا كان يؤثر في الناس ويجعلهم يؤمنون ويُصدقون كل أقواله وتعاليمه.
إذاً لنكن كيوحنا الذي كان دائم التحدث عن الرب والتبشير به. وأيضاً لا ننسى أن نتمثل بتواضعه وإنكاره لذاته، هذه الصفات التي أتضحت بقوله لتلاميذه عن المسيح: إنه يجب أن ذاك (المسيح) يزيد وأنا أنقص. فالرب نفسه أكد على هذه الجزئية حين قال: ليروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السموات.
إذاً لا ننسى أن نبشر بنفس الطريقة التي بشر بها يوحنا. أي أن لا تكون غايتنا من التبشير بالمسيح هي إظهار أمجادنا للناس. بل نبشر بالمسيح لأجل المسيح نفسه. لكي نكون مُبشرين حقيقيين سائرين على خطوات الرسل الأطهار الذين أخفوا ذواتهم ليظهر المسيح فيهم. فهذا هو التبشير الحقيقي، الذي يطلبه الرب من كل من يريد أن يُبشر باسمه.