ذبائح العهد القديم

الرب "يهوه" يُقدّم ذاته فدية عن البشر
واعتراض من شهود يهوه على الملك يهوه
بقلم الاب أنطونيوس لحدو

ذبائح العهد القديم

كانت الذّبائح في العهد القديم تُقدّم للرّبّ يهوه، للتكّفير عن خطايا الكهنة أو الشّعب، أو للتّعبير عن السّرور والفرحة للرّبّ، أو للنّصرة على الأعداء أو فرحاً بولادة طفل...إلخ، والهدف من تقديم الذّبائح طلب رضى الله ومصالحتهم معه. واختلفت طرق تقديمها ونوع الأضاحي بحسب نوع التّقدمة المرجوة من المؤمن.

والرّبّ يهوه كلَّم بذاته نبيه موسى عن وجوب تقديم الذّبائح! وعلَّمه طُرق تقديمها، ليُعلِّمها بدورهِ لهارون والكهنة، ويُخبر الشّعب بهذا الفرض:
"وَكَلَّمَ الرّبّ مُوسَى قَائِلاً: 25كَلِّمْ هَارُونَ وَبَنِيهِ قَائِلاً: هذِهِ شَرِيعَةُ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ: فِي الْمَكَانِ الّذي تُذْبَحُ فِيهِ الْمُحْرَقَةُ، تُذْبَحُ ذَبِيحَةُ الْخَطِيَّةِ أَمَامَ الرّبّ. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ" (لاويين 6: 24- 25). وللمزيد أقرأ (لاويين 6: 24- 30، و7: 1- 7).

واستمرَّ اليهود بتقديم الذّبائح كما أمرهم الله بواسطة نبيه موسى إلى الوقت الّذي هُدم فيه الهيكل المقدّس. لكنَّ الرّبّ يهوه لا يُسرُّ بالمحرقات والذبائح "لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى" (مزمور 51: 16)، بل يُسرُّ بالمحبة والرحمة والطاعة والتواضع "ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ" (مزمور 51: 17). "إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ" (هوشع 6: 6، متى 9: 13 و12: 7).
الرّبّ يسوع المسيح أبطلَ الخطية بذبيحة نفسه! "لِيُبْطِلَ (المسيح) الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ" (عبرانيين 9: 26). وكما أنَّ "كُلُّ مَنْ مَسَّ لَحْمَهَا (الذبيحة) يَتَقَدَّسُ" (لاويين 6: 27). هكذا نحن أيضاً "فَبِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً"! (عبرانيين 10: 10).

فالرّبّ يسوع المسيح قدّم نفسه "مرَّةً واحدةً" فقط ذبيحة لأجلنا، فبرّرنا وقدّسنا، فذبائح العهد القديّم أشارت إلى الطّريق، أما ذبيحة العهد الجديد فدخلت بنا إلى الطّريق عينه لنبلغ الكمال السماويّ. وكثرة ذبائح العهد القديّم كانت تشير إلى أنّها لا تستطيع أن تكمل أحداً، فإن كانت تكمل فلماذا التّكرار! (عبرانيين 10: 1). والذّبيحة المرضيّة المقبولة لدى الله تعالى هي كما قال داود النبيّ: "ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ" (مزمور 51: 17). لأَنَّهُ "لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا" (عبرانيين 10: 4).

كانت الّذبائح الّتي تقدّم في العهد القديم ترمز للسيّد المسيح الّذي قال عنه القدّيس مار يوحنّا المعمدان: "حَمَلُ اللهِ الّذي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يوحنّا 1: 29). ويعلّق القدّيس مار بولس على ما جاء في المزمور (40) عن يسوع المسيح، ويقول: "لِذلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ (المسيح): ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ، وَلكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً" (عبرانيين 10: 5).
المزمور 24 :7- 10 يؤكّد حقيقة أنَّ المسيح المتجسّد هو يهوه ملك المجد، فيقول:
"اِرْفَعْنَ أَيَّتُهَا الأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَارْتَفِعْنَ أَيَّتُهَا الأَبْوَابُ الدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ الْمَجْدِ. 8مَنْ هُوَ هذَا مَلِكُ الْمَجْدِ؟ الرّبّ (يهوه) الْقَدِيرُ الْجَبَّارُ، الرّبّ (يهوه) الْجَبَّارُ فِي الْقِتَالِ. 9ارْفَعْنَ أَيَّتُهَا الأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَارْفَعْنَهَا أَيَّتُهَا الأَبْوَابُ الدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ الْمَجْدِ. 10مَنْ هُوَ هذَا مَلِكُ الْمَجْدِ؟ رَبُّ الْجُنُودِ (يهوه الجنود) هُوَ مَلِكُ الْمَجْدِ".

في الآيات (1، 2) من هذا المزمور نجد أنَّ الله الملك هو الخالق وفي الآيات (3- 6) نرى الله الملك الّذي يقدّس شعبه وهنا في الآيات (7- 10) نرى صورة الملك الغالب، المسيح الّذي صار إنساناً ثم صعد بجسد بشريتنا إلى السّماء. وكما أَصعَدَ شَعبَهُ من مصر، ها هو يُصعِدُ شَعبَهُ من العالم إلى السّماء. فنرى في المسيح صورة الغلبة (رؤيا 6: 2).
أثبتنا في ما مضى أنَّ يهوه الملك هو يسوع الملك، وهذا المزمور يؤكّد حقيقة الإيمان القويم بأنَّ يسوع نفسه هو يهوه ملك المجد وربّ المجد، الّذي في ملء الزّمان اتَّخذ جسداً ودخل العالم الّذي خلقه. كما أعلن هذا المزمور أنَّ يهوه ملك وربّ المجد سيدخل العالم. ويعلن القدّيس مار يوحنّا هذه الحقيقة بقوله: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا" (يوحنّا 1: 14). وإعلان مار يوحنّا هذا يتَّفق مع اعلانات كثيرة منها ما جاء في سفر اللّاويين: "وَأَجْعَلُ مَسْكَنِي فِي وَسَطِكُمْ، وَلاَ تَرْذُلُكُمْ نَفْسِي.12وَأَسِيرُ بَيْنَكُمْ وَأَكُونُ لَكُمْ إِلهاً وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْباً" (اللاويين 26: 11- 12). راجع أيضاً ( خروج 29: 45، إرميا 31: 33).

القدّيس مار بولس يؤكّد أنَّ اسم يهوه هو نفسه اسم الرّبّ يسوع المسيح:
"لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ (يهوه المجد)" (1كورنثوس 2: 8).
وعند مطابقة نصّ هذه الآية مع الكلمات الّتي قالها الرّبّ يسوع المسيح عند دخوله أورشليم وبكائه عليها:
"... لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ" (لوقا 19: 41- 44).

نرى بدون أيّ شكّ أنَّ الرّبّ يسوع المسيح هو يهوه المجد الّذي لم يعرفه شعبه "لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ" كما لم يعرفه شهود يهوه وجماعات الأديان الأخرى، ولم يعرفه كلّ من لا يقبل يسوع المسيح ربّاً ومخلّصاً. فالّذين عرفوه هم الّذين قبلوه في قلوبهم وآمنوا باسمه واعترفوا به ملكاً وربّاً وسيّداً على حياتهم فوُلِدُوا ولادةً جديدةً، ولادةً من فوق، ودخلوا الحياة الأبديّة باستحقاقات دمه الثّمين الّذي أُهرق على خشبة الصّليب.

اعتراض من شهود يهوه على الملك يهوه
يعترض شهود يهوه بقولهم:
هل يُعقل أنَّ الملك يهوه يدخل أورشليم ليُقدّم نفسه ذبيحةً على الصّليب؟ هذا بالنسبة لهم أمر غير مقبول ولا يمكن أن يكون معقولاً أن ربّ المجد (يهوه المجد) يقدّم نفسه فدية لأجل العالم!

ربما نَسِيَ شهود يهوه أنَّ الرّبّ يسوع المسيح قال عن نفسه إنّه هو "الرَّاعِي الصَّالِحُ" (يوحنّا 10: 11)، وهذا اللقب هو لقب يهوه أيضاً! والرّبّ يسوع لم يكتفِ بقوله: "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ"، بل أكمل قائلاً: "وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ" (يوحنّا 10: 11).

وهذه بعض الآيات لتذكير شهود يهوه بأنَّ لقب الرّاعي الّذي للسيّد المسيح، هو لقب يهوه أيضاً:
"الرّبّ (يهوه) رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ" (مزمور 23: 1).
"كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ" (إشعياء 40: 11).
"كَمَا يَفْتَقِدُ الرَّاعِي قَطِيعَهُ يَوْمَ يَكُونُ فِي وَسْطِ غَنَمِهِ الْمُشَتَّتَةِ، هكَذَا أَفْتَقِدُ غَنَمِي وَأُخَلِّصُهَا..." (حزقيال 34: 12).
لذلك قال الرّبّ يسوع المسيح: "وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ"! لأنه هو يهوه الرّاعي والمخلّص.

تنبّأ النّبيّ زكريّا في العهد القديم، أن يهوه هو من تجسّد في ملء الزّمان، وبيع لليهود بثلاثين من الفضّة من قِبَل تلميذه يهوذا الإسخريوطي! وصُلب! فيقول:
"فَقُلْتُ لَهُمْ (يهوذا): إِنْ حَسُنَ فِي أَعْيُنِكُمْ فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي وَإِلاَّ فَامْتَنِعُوا. فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. 13فَقَالَ لِي الرّبّ (يهوه): أَلْقِهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ، الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الّذي ثَمَّنُونِي بِهِ (المسيح). فَأَخَذْتُ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ الرّبّ (يهوه)" (زكريا 11: 12- 13).

وينتقل النّبيّ زكريّا من عصر المكابيين حيث الانتصارات بذراع إلهيّ، إلى العصر الرومانيّ حيث يظهر المَسيَّا واهب النّصرة، لكن اليهود يرفضونه ويتّهمونه كخائن وطنيّ ضد قيصر، قائلين "لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ"! (يوحنّا 19: 15). وتظهرُ بشاعة الخيانة مجسّمة في تصرّفات تلميذه يهوذا الإسخريوطيّ الّذي باع سيده بثلاثين من الفضّة. هذه صورة مُرّة لرفضهم الرّاعي الصّالح وقبولهم "ضدَّ المسيح" (1 يوحنا 2: 22) راعياً لهم.

والغريب أنَّ الشّعب العبرانيّ مع كهنته، يُثمّن إلهه يهوه بثمن العبد في تلك الأيّام، إنّه أغرب ما سُمع في التّاريخ شعبٌ يُثمّن إلهه بثلاثين من الفضّة!
القدّيس مار متى يؤكّد تحقّق نبوءة زكريّا بشخص السيّد المسيح فيقول:
"حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الّذي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ 15وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ"! (متى 26: 14- 15).

ويتابع مار متّى تفسير نبوءة زكريّا الّتي تحقّقت بشخص السيّد المسيح ويقول عن الكهنة:
"فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ. 7فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ" (متى 27: 6- 7).

بعد ما قدّمناه من أدلّة دامغة نرى بوضوح أنَّ الرّبّ يسوع المسيح هو يهوه المتكلّم مع زكريا النبيّ عمّا سيحدث له بعد تجسّده! من خيانة من قِبل تلميذه يهوذا الإسخريوطي، وبيعه بثلاثين من الفضّة، وصلبه!... الخ.