علاقة الآباء بالأبناء تبني وتنمّي إلى حدّ بعيد
علاقة الإنسان بشكل عام بأبيه السّماويّ.
فنوعيّة هذه العلاقة ومضمونها يساعد الأبناء على فهم أبوّة الله للإنسان.
فإذا أجاد الآباء التّعامل مع أبنائهم على أسس المحبّة والانفتاح
والإصغاء والحوار تمكّنوا من تعميق مفهوم أبوّة الله
وذلك بكونهم يقرّبون مفهوم هذه العلاقة.
أمّا إذا تنازل الآباء عن مهامهم واستقالوا منها
وحوّلوا هذه العلاقة الأبويّة البنويّة إلى علاقة ملتبسة المفاهيم
سيتعذّر على الأبناء الاقتراب من أبيهم السّماوي.
"أيها الآباء، لا تغيظوا أولادكم،
بل ربّوهم بتأديب الرب وإنذاره."
( أفسس 4:6).
يشدّد القدّيس بولس في هذه الآية على التّربية والتّأديب
بحسب وصايا الرّبّ
وليس بحسب بشريّتنا،
فيبيّن لنا أنّ تربيتنا بعيداً عن وصيّة الرّبّ
قد تجنح إلى الإغاظة بدلاً من أن تتّجه إلى التّأديب
والتّربية بمفهومها الصّحيح.
وبالتّالي فعلى الآباء أن يكونوا حافظين لوصايا الرّبّ
وواعين لكيفيّة التّصرّف مع أبنائهم.
الرّبّ، المربّي الأوّل والأسمى يتعامل
مع بنيه بمحبّة مطلقة ورحمة لامتناهية
إلّا أنّ هذه المعاملة لا تخلو من التّأديب.
فالحبّ الحقيقيّ لا يسمح بتمدّد الشّرّ
ولا يقبل بانغماس الإنسان في الخطأ.
وما يحصل اليوم هو استقالة الآباء والأمّهات عامّة من تربية أبنائهم،
فيغيب التأديب ليحلّ مكانه الاستسلام لرغبات الابن ( الابنة)،
وتغيب التّربية الأبويّة والمرافقة والاحتضان ليحلّ مكانها الاستهتار أو الإهمال.
لا شكّ أنّ الأهل يحبّون أبناءهم وبناتهم ولا يتعمّدون عدم تربيتهم،
ولعلّ مشقّات الحياة والصّعوبات الّتي يواجهونها يوميّاً
تساهم في ذلك، إلّا أنّه ينبغي أن نحدّد مسؤوليّاتنا وأولويّاتنا
في هذه الحياة وأهمّها تربية الأبناء.
علم التّربية الحديث والّذي يتغنّى به كثيرون ويشجّع علماء التّربية
على تطبيقه كيما نخلق شخصيّات مستقلّة ومنفتحة ومتّزنة...،
لم يحمل جديداً على الصّعيد التّربويّ
إذا ما قارنّاه بوصايا الرّبّ وطريقة تفاعله مع الإنسان،
إن جازت المقارنة. لكنّ مراد القول،
أنّ إنجيلنا، كلمة الله الحيّة،
تحمل في ذاتها أسس التّربية السّليمة
الّتي تعتمد على المحبّة الرّصينة والمتّزنة والبعيدة
عن الاستسهال والاستهتار.
إنّ أجدادنا لم يكونوا علماء نفس واجتماع وتربية
لكنّهم حملوا في داخلهم محبّة كبيرة وعناية ً
لأبنائهم لأنّهم ببساطة كانوا يعملون بوصايا الرّبّ
ويتّكلون عليه مسلّمين حياتهم له.
علينا أن نعي وندرك أنّنا نربّي أبناء الله
وبالتّالي موكلون بتربيتهم كأبناء لله،
وبذلك يترتّب علينا أن نربّيهم بحسب وصايا أبيهم السّماويّ
فنعدّهم لوطنهم الحقيقيّ، ملكوت السّماوات.