اعداد راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطع
"مات المسيح عن الجميع
لكي لا يحيا الأحياء في ما بعد لأنفسهم،
بل للذي مات وقام لأجلهم"
(2كو5: 15)
نصف العمر
دخلتُ أحد المستشفيات لأزور قريبة لي كانت تشاطرها الغرفةَ سيّدةٌ صينيّة،
ففوجئت لدى دخولي برئيسة القسم تخرج من غرفة المريضة وهي في غاية الانذهال.
وبما كان لي من الدالّة عليها، سألتها عن سبب انذهالها، فأجابتني:
- لقد أُصيبت هذه السيّدة الصينيّة بمرض خطير، فنقلوها إلى هذا المستشفى،
وتمّ تقديم العلاج اللاّزم لها. ولكن الأهمّ من هذا كلّه أنّها عرفت الكثير عن المسيح
أثناء إقامتها بالمستشفى حتّى آمنت وصارت مسيحيّة.
- ولكن كيف تعرّفت على المسيح؟!
- كانت تخدمها ممرّضة مسيحيّة مؤمنة جدًّا وتقيّة جدًّا،
ومن معاملاتها المُحبّة لها أحبّت أن تتعرّف عليها.
وبين سؤال وجواب تعرّفت على المسيح، ومنذ ذلك الوقت لا تكفّ عن التحدّث عنه.
- شيء جميل جدًّا أن يشهد واحدنا للمسيح من خلال تصرّفه.
- والأجمل من هذا أنّي كنت كلّ يوم أقرأ شارات الفرح العظيم على محيّاها.
وعندما كنت أسألها عن حالها، كانت تردّ بابتسامة عريضة بأنّ محبّتها للربّ أنستها آلامها،
حتّى اشتهت أن تبشّر كلّ معارفها ليفرحوا معها بالمسيح.
استغربتُ جدًّا حال هذه المريضة، وأردت التعرّف إليها، فدخلت مع رئيسة القسم إلى غرفتها.
وكان الطبيب قد سبقنا إليها، فسمعتها تسأله:
- كم تظنّ أنّي سأعيش إن أقمت في المستشفى؟
- فقال لها: من المتوقَّع طبّيًّا أن تعيشي ستّة أشهر.
- وكم سأعيش إن تركت المستشفى؟
- ثلاثة أشهر.
- إذًا، أترك المستشفى في الحال.
- ولكن، كيف تضحّين بنصف عمرك؟!
- من أجل الذي قدّم حياته كلّها على الصليب من أجلي.
إنّ كلّ من يشعر بقيمة هذا الحبّ العظيم يشتاق أن يحيا عمره كلّه لله،
بل يشعر أنّ كلّ شيء لا قيمة له أمام هذا الحبّ، فيتنازل:
1- عن خطاياه التي تبعده عن الله مهما اعتاد عليها أو أحبّها،
لأنّ حُبّ المسيح يخجله، ويُظهر خزي خطيئته، فيرفضها تائبًا معترفًا.
2- عن علاقاته التي تشغله عن الله أو تعرّضه للسقوط في خطايا
هو في غنًى عنها، فيترك الأصدقاء والأماكن والظروف التي تشجّعه على الخطيئة.
3- عن انهماكه في المادّيّات، فيستخدمها بمقدارٍ، ولأجل احتياجاته الضروريّة فقط.
4- عن اهتماماته الكثيرة مهما كانت ملحّة ليُعطي وقتًا أطول للصلاة والقراءة والتأمّل.
5-عن أنانيّته، فيقدّم حُبًّا ورحمةً لكلّ من يُقابله، وهكذا يُبشّر من خلال محبّته.
كانت هذه السيّدة تتكلّم بحماس كبير فيما كان الطبيب ينظر إليها باندهاش واستغراب.
أمّا أنا، فقد شدّني حديثها، وحسبت نفسي أمام كاهن، فرحت أسائل نفسي:
"كيف تسنّى لهذه السيّدة أن تعرف كلّ هذه الأمور في فترة قصيرة جدًّا،
بينما أنا التي وُلدت مسيحيّة يعوزني الوقت لأعرفها؟".
فاقتربت منها، وسألتها:
- من الذي لقّنك هذه الأمور؟!
- فابتسمت وقالت:
إنّه الكتاب المقدّس.
إنّها المحبّة الإلهيّة التي اصطادتني في شباكها.
نعم لقد أعطتني ممرّضتي الحروف الهجائيّة لمحبّة الربّ،
ثمّ استعملت أنا هذه الحروف لأعمّق معرفتي بالله.
انكببت على مطالعة الكتاب المقدّس، فأنارني وعلّمني أمورًا كثيرة كنت أجهلها.
ولذلك قرّرت الخروج من المستشفى بأقصى سرعة لأستفيد من الوقت،
وأعرّف أصدقائي ومعارفي وأهلي على المسيح الذي أحبّته نفسي من الأعماق.