" طوبى للذين آمنوا ولم يروا "( يوحنا 29,26:20 )
الإيمان هو زرع الرّبّ فينا، ودفق حبّه في عمق أعماقنا، حيث أراد الرّبّ أن يسكن بكلّه.
وتجاوبنا معه واستسلامنا الكلّيّ له هو الّذي يجعلنا مؤمنين.
الرّبّ هو المبادر الأوّل، يجذبنا إليه، ويتنازل من أجلنا، بل هو مستعدّ دائماً للتّنازل والسّير معنا حتّى نبلغ الحياة الّتي تنكشف لنا متى آمنّا باسمه.
والرّبّ طويل الأناة، ويرفق بنا وبشكّنا وتردّدنا، ويفهم صراعنا بين البصر والبصيرة، ويدرك ضعفنا الّذي يحول بيننا وبين الارتفاع والسّموّ نحوه.
ويبقى مرافقاً لنا، متأنّياً في تحريك الإيمان فينا حتّى نصرخ: " ربّي وإلهي".
" توما" يمثّل كلّ واحد منّا، ويريد شيئاً ملموساً، وغالباً ما يسألنا العقل أمراً ملموساً حتّى نؤمن.
كلّنا نشكّ ونرتاب ويلتبس الأمر علينا، إلّا أنّه بهذا الشّكّ نخسر عظمة إيماننا بالمسيح.
وقد يقول بعضنا: " لا أؤمن حتّى أرى"،
ولعلّ هذه الجملة خاطئة بما تحمل من مفهوم للإيمان، إذ أنّه متى رأى الإنسان بعينيه التّرابيّتين ما يريد أن يراه، انتفى إيمانه، لأنّ الإيمان هو أن نصدّق ما لا يُرى بأعيننا الفانية.
الإيمان هو رؤى القلب، " العين الثّالثة"، الّتي لا تخدع، ولا تفنى. ألا يخدعنا نظرنا أحياناً، ويقودنا لرؤية الأشياء بطرق مختلفة، ومغايرة لما هي عليه؟.
إنّ عظمة إيماننا تكمن في تجاوبنا مع الحبّ الإلهيّ، والاعتراف بشكّنا، ولكن، ممسكين بيد الرّبّ طالبين منه أن يزدنا إيماناً.
ونحن إذ نؤمن بالرّبّ القائم من الموت، نراه متى ارتفعنا برؤيانا دون الحاجة لأن نراه بأعيننا.
وعلينا أن نشكر الله كلّ حين أنّ قلوبنا هي مركز رؤيتنا له، وإلّا لكنّا أتعس النّاس.
فعيوننا الأرضية تتعب بسرعة وتضعف وقد يتلاشى النّظر، فكيف نحيا إن لم نشاهد الربّ الحبيب كلّ حين؟.
الإيمان ليس عاطفة أو شعور، بل هو الثّقة بأنّ الرّبّ حاضر هنا وأبداً، ثقة المحبّ بالحبيب الأوحد.
وليس الإيمان التزاماً وحسب وإنّما استسلام ليسوع المسيح والقبول بالسّير معه لأنّنا نؤمن أنّ معه الحياة. إيماننا بالمسيح الرّبّ هو يوم ثامن يتجدّد أبداً،
نحياه متجدّدين بالإيمان فتأسرنا محبّة المسيح وتستحوذ على قلوبنا ونفوسنا، فنسمو ونرتفع ونعاين الرّبّ فنهتف:
" ربّي وإلهي".