من أقوال الأباء فى تفسير المزمور الثامن والأربعون
+ مدينة الملك العظيم :-
"عظيم هو الرب ، ومسبح جدًا في مدينة إلهنا على جبله المقدس"
يرى البعض أن هذا المزمور هو منجم يحوي ألقابًا ثمينة للكنيسة ، مدينة الله (مدينة إلهنا ، جبله المقدس ، جبال صهيون ، جوانب الشمال ، مدينة الملك العظيم ، مدينة رب القوات إلخ...) كل لقب يكشف عن جانب من جوانبها الحية .
+ مدينة إلهنا ... أي المدينة التي نلتقي فيها مع الله بكونه إلهنا المنتسب إلينا ، نلتقي به خلال علاقات شخصية ، بدخولنا معه في عهد وميثاق . فالكنيسة هي التقاء الله مع شعبه الخاص ليوقّع بآخر قطرة من دمه الثمين على ميثاق الحب الذي أُعلن بالصليب .
+ جبله المقدس ... هي مدينة الله القدوس ، لذا ترتفع كالجبل ، تشهد أمام الكل بقداسته خلال ممارستها الحياة المقدسة وشركتها معه . إنها كالجبل الذي لن تهزه عواصف التجارب .
+ جبال صهيون ... (صهيون تعني حصنًا) ، إنها الجبال التي نجد فيها حصانة بالله حصننا وسورنا !
+ جوانب الشمال ... يرى البعض أنها إشارة إلى السحاب القادم على أورشليم ، فتعطيها خصوبة وثمارًا . ويرى آخرون أن الشمال يشير إلى الأعداء حيث كان الآشوريون على شمالهم ، فهي مدينة مُحاربة من الأعداء على الدوام ، لكنها غالبة ومنتصرة .
+ مدينة الملك العظيم ... حيث يتربع فيها ملك الملوك ، ليقيم من شعبه ملوكًا وكهنة لله أبيه (رؤ 1: 6) .
+ مدينة رب القوات ... مرهب كجيش بأولية (نش 6: 4، 10) تحت قيادة الرب نفسه واهب النصرة .
+ واضح أن جمال الكنيسة وقداستها ونصرتها يقوم على انتسابها لله الساكن فيها ، والذي يتربع في داخلها كملك . لقد نزل السماوي إلى العالم ليقيم كنيسته مجيدة بلا عيب ويؤهلها للحياة السماوية ، لهذا يُسبح المرتل لله قائلًا "عظيم هو الرب ، ومسبح جدًا في مدينة إلهنا على جبله المقدس" .
"أحسن أصلها بهجة لكل الأرض ، جبال صهيون ، جوانب الشمال ، مدينة الملك العظيم" إذ رأى في كنيسة العهد الجديد المدينة التي يجتمع فيها الله بشعبه والجبل الذي ملأ الأرض وقد حمل قداسته وبره يعلن عن بهائها وجماله ، وعن دورها كبهجة كل الأرض . يرفضها العالم ويرذلها ويهينها ويضطهدها طالبًا الخلاص منها ، أما هي فكعريسها بجماله الروحي تعلن حبها للعالم ، تعمل كخامة باذلة ، لكي تجتذب حتى المضايقين إلى فرح الرب وبهجته . إنها تكرز بالحياة الإنجيلية ، بالأخبار السارة التي تحقق خلاصنا في استحقاقات الصليب ، وتكشف عن الحب الإلهي المُسجل بالدم الثمين المبذول ، لتدخل بالكل كأبناء لله الآب ، وتهبهم عطية الروح القدس واهب الحياة والقداسة .
"الله يُعرف في شرفاتها إذا ما هو نصرها" تظهر الكنيسة كمدينة الله الملك العظيم وقصره ، أما المؤمنون فيظهرون بكونه شرفاته التي من خلالها يظهر الملك بكل أعماله العجيبة ، خاصة عهده مع كنيسته ، بل ومع كل عضو فيها ، يتهم بها كجماعة مقدسة وكأعضاء ، كمدينة واحدة وكشرفات عديدة ، يقصد الكل بكلمته ووعوده ، وبعمله الخلاصي على الصليب ، ويهتم بمن لا معين لهم ... فهو أب الأيتام وقاضي الأرامل ومنصف المظلومين .
"هوذا قد اجتمع ملوكها وأتوا جميعًا . هم أبصروا وهكذا تعجبوا ، اضطربوا وقلقوا .أخذتهم الرِعدة .هناك أخذهم المخاض كالتي تلد .بريح عاصفة تُحطم سفن ترشيش" اجتمع ملوك الأرض والرؤساء وجاءوا إلى أورشليم ، ولكنهم إذ رأوا قوة الله التي كانت ضدهم أخذهم العجب واضطربوا ، وحلت بهم أوجاع مثل مخاض الوالدة . هذا أيضًا ما حدث مع من حاربوا كنيسة المسيح ، يذكر النبي ترشيش أغنى سواحل البحر ، فيقول إنه كما تكسر الريح العاصفة السفن في شاطئ البحر ، كذلك أنت تحطم الأعداء وتسحقهم ، وتطحن قوتهم .
"كمثل ما سمعنا كذلك رأينا ، في مدينة رب القوات ، في مدينة إلهنا ، الله أسسها إلى الأبد" يا لها من كنيسة مطوَّبة ! في وقت ما تسمع ، وفي وقت آخر ترى . لقد سمعت وعودًا ، وترى تحقيقها ، سمعت نبوات ، وترى إنجيلًا ، لأن كل ما ما يتحقق الآن سبق فتُنبا عنه ... أين تسمعين ، وأين ترين؟ "في مدينة رب القوات ، في مدينة إلهنا ، الله أسسها إلى الأبد" .
"ذكرنا يا الله رحمتك في وسط شعبك . نظير اسمك يا الله كذلك تسبحتك ، في أقطار الأرض يمينك مملؤة عدلًا (برًا) .فليفرح جبل صهيون ولتتهلل بنات اليهودية من أجل أحكامك يا رب" لقد اختبرنا يا الله إحساناتك التي صنعتها مع شعبك عيانًا ، لكن ليس من أجل فضائل صارت منا وإنما من أجل وفرة رحمتك وتحننك ... هكذا يرى المرتل الكنيسة كجماعة متعبدة متهللة بالله من أجل أعماله وأحكامه . فإبراهيم لن ينسى المُريّا ، ويعقوب لن يسى بيت إيل ...
"طوفوا بصهيون ودوروا حولها ، تحدثوا في أبراجها ضعوا قلوبكم في قوتها واقتسموا شرفاتها . لكيما تخبروا بهن في جيل آخر . إن هذا هو إلهنا إلى الأبد وإلى أبد الأبد . وهو يرعانا إلى الدهر" يليق بالذين تمتعوا ببركات الخلاص الذي يسمو بهم كصهيون المرتفعة أن يطوفوا حول الشعب ويدوروا في البلاد يحدثون عن هذا العمل الإلهي العجيب .
أنهم يتحدثون عن الأبراج العالية التي يقيمها روح الله لكي يختفي فيها المؤمنون ويتحصنون من ضربات العدو ، يضعون ثقتهم في قوة الكنيسة التي هي "الحياة في المسيح يسوع" ويتمتعون بشرفاتها ، أي بعطايا الله خلال كنيسته . هذا هو الله محب كنيسته التي يرعاها مدى الدهور حتى يأتي على السحاب ليأخذها معه . هذا هو موضوع شهادتنا للجيل القادم . هذه هي وديعة الإيمان أي التسليم الحيّ أو التقليد المُختبر الذي نقدمه بحياتنا كما بكلماتنا . فإنه كيف نتحدث عن أبراج الكنيسة وشرفاتها ، أي عن حصونها المنيعة وغناها ما لم نكن نحن أبراجًا وفي غنى روحي ، لهذا يقول القديس أكليمندس الإسكندري :
- [أعتقد أنه يلمّح هنا إلى أولئك الذين احتضنوا الكلمة (اللوغوس) بطريقة سامية ليصيروا أبراجًا عالية ، وليرسخوا بثبات في الإيمان والمعرفة ... ولإلهنا المجد الدائم