كيف نجد مكاناً للإيمان وسط انشغالنا بأعمالنا و حياتنا الأسرية؟
نصائح عملية لكل يوم
كيف ندمج عقيدتنا بعملنا؟ إن فكرنا بهذا قليلاً، سيجد معظمنا أننا نقضي حياتنا كراشدين في العمل. في يوم عمل نموذجي، ثلث اليوم ننفقه في العمل، ليبقى ثلثين للنوم و العائلة و الأصدقاء و الصلاة، إلخ. هل فكرنا يوماً في مكان العمل باعتباره فرصة للممارسة إيماننا الكاثوليكي أم أننا نتجاهله و نترك ذلك للستة عشر ساعة المتبقية من اليوم؟ أظن أن الكثير منا يتفق على أن العمل اليوم بيئة مليئة بالتحديات بالنسبة للمعتقدات المسيحية. فقد أدت سياسات الشركات الجامدة إلى إبعادنا عن إيماننا بطريقة غير صحية و غير طبيعية. فكثيراً ما نسمع الناس يقولون:"أترك الإيمان عند الباب بمجرد وصولي إلى العمل". لكن كيف بإمكاننا فصل روحانيتنا عن وجودنا المادي؟
في فرح و رجاء، قال مجمع الفاتيكان الثاني:"إن هذا الانقسام بين الإيمان و بين الحياة اليومية يجب أن يصنف كأحد الأخطاء الأكثر خطورة في عصرنا ... المسيحي الذي يهمل واجباته الدنيوية، يهمل واجباته تجاه جاره و حتى تجاه الله، يعرض خلاصه الأبدي للخطر. يجب على المسيحيين أن يفرحوا بدلاً من ذلك، و يقتدوا بالمسيح الذي كان يعمل كحرفي، و هم أحرار في الممارسة السليمة للأنشطة الدنيوية و الإنسانية و المنزلية و المهنية و الاجتماعية و الفنية من خلال الجمع بينهم لخلق تركيبة حيوية مع القيم الدينية، في ظل توجيه من يجعل كل شيء في تناغم تام لمجد الله الآب".
كيف بإمكاننا التغلب على العقبات العلمانية التي تعترض إيماننا لنقبل المسيح بسرور تام في كل جزء من أجزاء يومنا و خاصة في العمل؟
إن فكرة ممارسة العقيدة الكاثوليكية في العمل هي فكرة صعبة بالنسبة للكثيرين و فكرة العمل و التفكير و السير في إيماننا هو مفهوم غريب. في مهنتي أقابل العشرات من رجال و سيدات الأعمال الذين يخطئون برؤية "الإيمان في العمل" كأنه دراسة للإنجيل في غرفة الاستراحة في وقت الغداء أو التبشير بصوت عالٍ بين زملاء العمل. من النادر أن نفكر في رحلة إيماننا و بالمثال الذي يجب علينا أن نريه للآخرين، و الفرح الذي ينير قلبنا بنور المسيح، كأفضل طريقة لمشاركة إيماننا. فإن السماح لزملائنا في العمل برؤية المسيح من خلالنا هو شكل قوي من أشكال الشهادة التي ستجذب الآخرين.
لنتأمل كلمات القديس يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي "العلمانيون المؤمنون بالمسيح (Christifideles laici)" :"إن المؤمنين العلمانيين 'مدعوون من قبل الله ليسهموا في نشر القداسة في العالم بقيادة الروح القدس، فيكونوا كالخميرة، من خلال إنجاز واجباتهم. و هكذا يظهرون المسيح للآخرين لاسيما في طريقة الحياة هذه و التألق في الإيمان و الرجاء و المحبة".
إن مهمة المؤمنين العلمانيين تدفعنا للنظر إلى مكان العمل كأرض خصبة لعمل الله. نحن مدعوون في الكثير من نصوص الكتاب المقدس و تعاليم الكنيسة لعيش حياة القداسة و أن نكون شهوداً للمسيح. و لذلك فإن أعمالنا في مكان العمل هي عنصر حاسم في استجابتنا لتلك الدعوة.
العقبات التي تحول دون التكامل:
تقف في طريقنا الكثير من العقبات التي تمنعنا من تحقيق التكامل بين عملنا و إيماننا، و في تجربتي تظهر ثلاث من هذه العقبات دائماً: الانغلاق، و الوقت، و الخضوع.
العقبة الأولى: الانغلاق
هل لاقت العبارة السابقة:"أترك إيماني عند الباب بمجرد وصولي إلى العمل" صدى لديك؟ فبعد أن عشت بالانقسام معظم حياتي، تعلمت كيفية التعرف على "الانغلاق" الذي يعيشه الآخرون. و هو أمر شائع جداً. و أظن أننا جميعاً في أعماقنا نرغب في حياة أكثر تكاملاً، حياة يكون المسيح فيها هو محور الأفكار و الروتين اليومي في العمل و المنزل.
أعتقد أن تعزيز التكامل سيساعدنا لنكون مسيحيين أفضل و نعكس الآثار السلبية الأخلاقية و العاطفية و الروحية التي سببها إبقاء إيماننا منفصلاً عن باقي حياتنا.
إن التغلب على هذه العقبة ليس بالأمر السهل، بل علينا اتباع توجيهات القديس يوحنا بولس الثاني الذي ذكرتها سابقاً، و نرى أنشطتنا اليومية، بما في ذلك العمل، كفرصة لتقديم أنفسنا لله و السير بحسب إرادته الإلهية. جميعنا يؤدي أدوار كثيرة في هذه الحياة: آباء و أمهات، أزواج و زوجات، رؤساء و موظفين، و طلاب و هلم جرا. لكن الدور و المسؤولية الأهم هو أن نكون كاثوليك مؤمنين. فكوننا كاثوليك بالفكر و الكلمة و الفعل هذا يسمح لنا بتوحيد حياتنا و الارتقاء فوق النزعات الطبيعية للتقسيم و الانغلاق. أعرف أن الكلام سهل، و ربما يكون التطبيق صعب، لكنه ضروري.