إن الفراغ يتعب من يشعر به، وقد يقوده إلى أخطاء روحية عديدة، إذا أساء الطريقة في ملء هذا الفراغ.
لذلك عندما خلق الله أبانا آدم، لم يتركه في فراغ، بل أوجد له عملاً يعمله..
وهكذا يقول الكتاب: "وأخذ الرب آدم ووضعه في جنة عدن، ليعملها ويحفظها" (تك2: 15). ولم يعمل آدم وحواء من أجل الرزق إذ كان وفيراً في الجنة، بل من أجل ألا يوجد فراغ في حياتهما يتعبهما. ويخيل إلى أن الخطية حاربتها في وقت فراغ ولو كانا مشغولين وقتذاك، لما وجد الشيطان فرصة للحديث ولإغراء.
وحتى الرهبان، أصبح العمل جزءاً من حياتهم، بشرط ألا يعطلهم عن روحياتهم.
عمل اليد شئ معروف في بستان الرهبان... ومازال موجوداً حتى الآن لأن الراهب حينما يبدأ حياته الرهبانية لا تكون له القدرة على قضاء الوقت كله في الصلاة. فخوفاً من أن يقع في فراغ يتلف حياته، يعطيه الدير عملاً ومن فائدة العمل له أيضاً أن يشترك في خدمة الدير ومحبة إخوته، وأن يكتشف أخطاءه أثناء تعامله مع الآخرين ويعالجها...
إن الفراغ يسبب الشعور بالملل والضجر، لذلك يهرب منه الإنسان إلى تسلية تريحه. وقد اختيار هذه التسليات.
ربما يلجأ إلى الثرثرة مع الناس، بطريقة تضيع وقته، ووقت الآخرين، وقد تتعبهم.. وقد يلجأ إلى الملاهي أو المقاهي أو النوادي، وما أكثر ما يصادفه هناك من أخطاء، وقد يلجأ البعض إلى مجرد المشي – أو ما يسميه البعض بالنزهة – بلا هدف.
أو قد يصب فراغه في الآخرين فيضيع وقتهم...
وإضاعة الوقت هكذا – وقت الفراغ – هي إضاعة جزء من حياة الإنسان، كان يمكن استغلاله فيما يفيده ويفيد غيره..
والذي يضيع وقته، لاشك أنه لا يشعر بقيمة حياته، وغالباً ليس أمامه هدف كبير يسعي إليه. لأن الذي يضع أمامه هدفاً كبيراً، إنما يستغل كل وقته لتحقيق هذا الهدف... وقد يشعر أحياناً أنه محتاج إلى وقت، ولا يجد.
لذلك عليكم أن تملأوا فراغكم بشيء مفيد، وكذلك فراغ أولادكم.
ربما تتضايقون أحياناً من الضوضاء التي يحدثها الأطفال، وتشبعونهم توبيخاً ولوماً وانتهاراً ودروساً في الأخلاق، وتكثر أوامرك ونواهيكم، وعقوباتكم وتهديداتكم لهؤلاء الأطفال. وغالباً ما يكون سبب إشكالاتهم كلها هو الفراغ، ولو إنكم استطعتم أن توجدوا لهم سليمة يملأون بها هذا الفراغ لاسترحتم واستراحوا من هذا كله...
فكروا إذن في شغل وقت الفراغ عند أولادكم بما ينفعهم ويريحكم بما ينفعهم ويريحكم...
وهنا نسأل:
كيف تقضون وقت فراغكم؟ وهل الطريقة سليمة؟ وهل هي نافعة؟
أتستغل هذا الوقت من أجل نموك الروحي، أو الفكري، أو في خدمة الآخرين أو في أية تسلية غير ضارة، أو عمل محبة نحو الناس وافتقادهم؟ أم في خدمة الآخرين أو أية تسلية غير ضارة، أو عمل محبة نحو الناس وافتقادهم؟ أم وقت فراغك هو وقت ضائع، ربما تقضيه إلى جوار الراديو أو التلفزيون الذي أحياناً لا يأخذ وقت فراغك فقط وإنما يطغي على وقتك كله حتى اللازم لمسئولياتك أيضاً؟
هل معالجتك فراغ الوقت تؤدي بك إلى فراغ في الروح؟