منسوبة للقديس فرنسيس الاسيزي
( الفرح الحقيقي )
وثيقة منسوبة للقديس فرنسيس الاسيزي
تنقل إلينا إحدى المجموعات (النصف الأول من القرن الرابع عشر) نص هذه الوثيقة التي لا أحد يشكُّ في أصالتها ونسبتها إلى فرنسيس. وهي من دون شكّْ، أقدم بكثيرٍ من القصة الموجودة في الفصل الثامن من كتاب "زُهَيْرات القديس فرنسيس)، وفي الفصل السابع من كتاب "أعمال الطوباوي فرنسيس ورفاقه".
فبينما هذان الكتابان يتكلمان على "الفرح الكامل"، يتحدث هذا النص عن "الفرح الحقيقي".
فيصبح بذلك الفرق واضحا: ففي "الفرح الكامل"، الاحتمالات التي يصفها فرنسيس هي غير مرفوضةٍ كليا من قبله بل هي درجات نحو الفرح والكمال، إذ إن بين الناقص والكامل توجد احتمالات عديدة.
بينما في "الفرح الحقيقي"، فالاحتمالات المذكورة تصبح مرفوضة كلياً، من قبل فرنسيس بل هي أفراح مزيفة إذ أن بين الحقيقي والمزيف لا احتمالاتُ أخرى. فما ليس حقيقيا هو مزيف. من ناحيةٍ أخرى فنص "الفرح الحقيقي" هو أقرب إلى الواقع من النص الوارد في "الزُهَيرات" و"أعمال الطوباوي فرنسيس ورفاقه"، حيث يطلب فرنسيس من الأخ ليون تدوين ما سيقوله بينما هما سائران.
ما في نَصّْ "الفرح الحقيقي"، فهو يطلب من الأخ ليون التدوين بينما هما في كنيسة سيدة الملائكة. نص "الفرح الحقيقي" يشبه إلى حدٍ بعيدٍ التوصية الخامسة والسيرة الثانية لتوما من شيلانو 125 و145 وسيرة بيروجيا 83. وهو يصف مفهوم الصغر الحقيقي لدى فرنسيس. ويبدو أنه يعكس اختباراً ملموساً عاشه فرنسيس نفسه مع اخوته وعاناه حتى توصَّل أخيرا إلى السلام الداخلي والفرح الحقيقي.
(1) لقد أفاد (الأخ ليونارد) عينه في المكان ذاته أن الطوباوي فرنسيس الذي كان في كنيسة القديسة مريم، استدعى الأخ ليون وقال له: "أخي ليون، اكتب". (2) فأجاب: "ها أنذا مستعد". (3) فقال: "اكتب، ما هو الفرح الحقيقي؟".
(4) رسولٌ يأتي ويفيد ان جميع معلمي باريس قد انضموا إلى رهبنتنا. اكتب: ليس هذا هو الفرح الحقيقي. (5) كذلك لو جاءنا جميع أحبارِ ما وراء الجبال من رؤساء الأساقفة، والأساقفة وحتى لو جاءنا ملك فرنسا، وملك إنكلترا، اكتب: ليس هذا هو الفرح الحقيقي. (6) وكذلك لو مضى اخوتي إلى غير المؤمنين وردّوهم إلى الإيمان ولو أتاني الله نعمة شفاء المرضى ولو وصنعت الكثير من العجائب فإني أؤكد لك أن كل ذلك ليس الفرح الحقيقي".
(7) لكن ما هو الفرح الحقيقي؟ (8) "أكون عائداً من بيروجيا في ليلٍ دامس وآتياً إلى هنا في شتاءٍ موحلٍ، وقد جمَّدَ البرد القارس قطراتٍ من الماء تدلَّت قطعاً من جليدٍ، من أهداب ثوبي وأخذت ترتطم بساقيَّ بلا انقطاع إلى أن سال الدم من الجراح التي أحدثتها. (9) وفيما أنا أعاني من الوحل والبرد والجليد آتي إلى الباب وأقرعه طويلاً وأنادي فيأتي أخٌ ويسألُ: "من الطارق؟" فأجيب: "أنا الأخ فرنسيس". (10) فيقول: :امضِ في سبيلك فهذا ليس وقتا ملائما للتنقل. ولن أدعك تدخل".
(11) وألحُ في الطلب فيجيب مجدّداً: "امضِ في سبيلك فأنت مجرد إنسانٍ بسيطٍ وغير متعلمٍ. وعلى أية حالٍ لا تعد إلينا مجددا فإن كثرة عددنا وكفاءتنا يغنياننا عنك. (12) وأنتصب من جديد أمام الباب وأقول: حبا بالله استقبلوني هذه الليلة. (13) فيجيب: "لن أفعل ذلك. (14) امضِ إلى مستشفى حاملي الصليب علَّهم يستقبلونك هناك".
(15) إنني أقول لك، أنني إن صبرت ولم أضطرب ففي ذلك يكمن الفرح الحقيقي والفضيلة الحقة وخلاص النفس".