الألم، الضيق، القلق، التراجيديا النفسية، كلّها نتيجة سقوط الإنسان، الذي حصل بسبب أنانيته. تلد نتانة الأنا الضيق في النفس، بينما حالتها الطبيعية هي الفرح، لأن الله هو سلامٌ وفرحٌ.
ولكنك، اليوم لا تجد إنساناً فرحاً، وهذا يعني أنه لا يوجد إنسان متوازن، هادىء وطبيعي.
الضيق بات مرض مخيف يضرب المسكونة، ربما هو العذاب الأكبر للبشرية، إنه الدراما الأكبر فيها. ليس هو فقط علامة الجحيم وإنما هو أيضاً عيش الجحيم اعتباراً من الحياة الحاضرة.
غياب الفرح يعني غياب الله، الفرح هو برهان على حضور الله. في عالم اليوم يبتهج الإنسان بالأمور العابرة، لكنه ليس الفرح الذي نتكلم عنه.
الفرح أمرٌ نادر الوجود لكنه أيضاً ليس أمراً مستحيلاً، إنه طبيعيٌ.
عندما يلتقي إنسان أعمى بآخر يبصر، يصرخ نحوه قائلاً: " يا للعجب، أحقاً ترى!"، هكذا يحصل عندما يرى الآخرون إنساناً فرحاً يتعجبون ويتساءلون: " أحقاً أنت فرح؟"، لأنهم اعتادوا أن يعيشوا في الانحطاط، في الكذب، في الخطيئة، في ظلمة الضمير الباطنّي للوجود الإنساني، ناكرين الله في حياتهم اليومية.
يقول القديس باسيلوس الكبير: "إن كلّ نفس ارتبطت للأبد بشوق الخالق وبالجمال المعتاد هناك، تبتهج، وهذه البهجة والفرح لا يتبدلان تحت تأثير مختلف المصائب الحاصلة بعد السقوط".
عندما تتذوق النفس الشوق إلى الخالق، عندها لا تضطرب
ولا تتضايق من الأمور الخارجية، لأن ما له أهميةٌ يصبح بالنسبة لها هو الجمال الروحي والحياة الروحية وتذوق حلاوة المسيح.
يتابع القديس باسيلوس: " وما يعتبره البعض ضيقات يجعل منه الآخرون فرحاً أكثر" كلّ ما يعتبره الآخرون مصائب جسدية للإنسان، إنما يكون للنفس التي تلتهب بشوق إلى الرب أموراً صغيرة جداً وغير هامة، والنفس تنتصر عليها وتُحرز بالأكثر "سروراً أعظم" .
لذلك أقول لكم، عندما ترون إنساناً مقطّب الوجه، أيقنوا في الحال أنه قد هجر الرب إلهه. السبب الوحيد لكلّ ضيق وحزن وكآبة وعبوسة هو دوماً الأنانية والتفرد والعزلة التي تعيشها النفس وغياب التواصل مع الله.
المسيحي غير الصادق يبتهج بالأمور المادية أما المسيحي الصادق يبتهج بالأمور الروحية وتكون حياته سعيدة. لذلك لا يوجد أي سبب يمكن أن يبرر الضيق.
يجب على المسيحي أن يكون فرحاً دوماً، هذه هي الحياة التي أرادها له الله، عليه أن يستقي من كلّ شيء حجة للفرح: من الخطيئة، من شر الآخر، من الوشاية، من الحزن. وماذا يعني الحزن؟ هو شيء تعاني منه، هو أمرٌ تصبر عليه، فشلٌ غير منتظر تصطدم به، خسارة مادية ما، أمور نفسية وروحية، ولكن من كل شيء فلنستق فرحاً !
توجد أحزان، لكن توجد مصائب أيضاً، ما هي المصائب؟ عندما تأتينا الضربات بشكل متتابع من حولنا، عندما نصير في حالة كما لو أتى علينا المطر والطوفان ولا نستطيع بعد أن نفعل شيئاً. تنسحب الأرض من تحت أرجلنا ولا نستطيع أن ننجو، هذه هي المصيبة. لكنّ الإنسان الفرح يجابه المصيبة بالقوة المحركة التي بداخله، أي الفرح، لأن الفرح هو القوة العظمى.
هذا المحرك يجعله يشكر الله، يكون فرحاً ويشعر ببهجة حقيقة. لأنه يرى أصبع الله، يرى النتيجة. إنها اللحظة التي سيومئ فيها الله لك، ستقترب منك أمواج النعمة الإلهية وتغمرك ويمتلئ قلبك من فرح يفيض تسبحة تمجيدٍ لله.
من كتاب كلمات في الرجاء- ترجمة دير سيدة البشارة
_________________________________________________ |