: ما هو مفهوم العطاء .
للتأمل : (اي 21:1)
جلست مع نفسي أسأل وأتسائل عن مفهوم العطاء فى قاموس البشر .
فإذا بى أجد نفسي أمام مشكلة صعبة .
فليس هناك عطاء إلا من إنسان يملك فيقدم لللآخرين مما يملكه ثم عُدت أسأل نفسي .
ماذا يملك الإنسان ليقدمه ؟
فإذا انا أمام مشكلة أصعب لأنه ليس هناك من يملك فعلاً .
وعُدت بذاكرتى إلى مولد الإنسان فإذا به لا يملك الأقمطة التى يقمط بها .
ثم يعطيه الله نمواً وصحة فيعمل وينتج .
وإن النمو والصحة والأنتاج ما هى إلا عطايا من الله وليست من ممتلكات البشر .
وتأملت الإنسان وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وكأنه يصرخ مع أيوب :
عرياناً خرجت من بطن أمى وعرياناً أعود إلى هناك (أى 21:1 )
ونسمع سليمان الحكيم يتكلم بصوت قوي :
كما خرج من بطن أمه عرياناً يرجع ذاهباً كما جاء ولا يأخذ شيئاً من تعبه فيذهب به فى يده (جا 5 : 15 )
ولم أفق من تأملاتى هذه إلا على صوت قرعات على الباب وإذا بى أمام إنسان يسألنى فى هدوء وعمق :
أعطينى مما أعطاك الله .
فشعرت عندئذ : أننى لست أملك شيئاً.
وإنما هو صوت الله يأمرنى على لسان الرجل أن أُعطيه مما أؤتمنت عليه بصفتى مجرد وكيل فقط على ممتلكات الله .
ومن يدك أعطيناك " (1أى 29 : 14 )
وهكذا رأيت نفسى أمام دعوة إلى الأعماق فى حياة العطاء .
ولكننى عُدت إلى حيرتى مرة أخرى عندما حاولت أن أتجرأ وأدخل إلى عمق العطاء كمحاولة متواضعة لمعرفة حدود العطاء .
فإذا بى أمام قوة غير محدودة من الحب الإلهى رأيت نفسى أمام الصليب .
وأحسست عندئذ أن العطاء بلا حدود ، لأن مصدره حب الله غير المحدود حيث بذل ابنه الوحيد على الصليب لكى يُعلمنا مفهوم العطاء .
وتراجعت أمام هذه القضية الصعبة ، ورفعت عيني نحو المصلوب أسأله أن يدربنى فى مدرسة الحب الالهى كطفل يحضن على صدر أبيه يطلب منه درساً صغيراً يتناسب مع طفولته .
فنظر إلى بعين متألمة وقال لي :
لن تستطيع أن تعطى شيئاً ما لم أعطيك أنا من نبع الحب والحب الذى بداخلك هو وحده الذى سيقدم ويبذل دون أن تشعر أنك قدمت أو بذلت شيئاً .