الرجل الطائر
معجزة روعة للقديس ابو سيفين
منذ عدة سنوات فى احدى حوارى مصر القديمة , وفى دير بسيط على اسم القديس مرقريوس " ابى سيفين " , الذى هو اشبه بكنيسة صغيرة ملحق بها مبنى قديم , كان يقطن عدد قليل من الرهبات البسيطات تعيش هؤلاء الرهبات يقسمن وقتهن بين الصلاة والتسبيح وقضاء لوزام الدير والعمل اليدوى البسيط الذى يباع للآنفاق على الدير ومساعدة بعض المحتاجين المحيطين بالدير ...
وسط هؤلاء الراهبات البسيطات عاشت الام الرئيسة " تاماف كيرية " , اما لبناتها الراهبات , تخدمهن وتسهر على رعايتهن روحيا وجسديا ...
عرفت تاماف كيرية بولعها الشديد بالكتاب المقدس والتسبحة , فقد قيل انها حفظت العهدين القديم والجديد عن ظهر قلب .. كانت جلساتها كلها احاديث شيقة فى الكتاب المقدس وذكر سير القديسين , حتى كان بعض الاباء الاساقفة كبار السن يقدمون الى الدير ويجلسون معها حول مائدة كلمة الله
فى هذا الجو الهادئ , البعيد عن كل العالم والسياسات الكنسية , اعتاد احد اثرياء الصعيد من ابى قرقاص ان يقدم , حاملا فى يديه بعض التقدمات العينية للدير .. يأتى الغنى الى القاهرة لقضاء بعض مصالحه الخاصة , وعند الظهيرة يزور الدير ليجلس مع تاماف كيرية بقية اليوم يستعذب سير القديسين , ويسعد بحديثها عن عمل الله ومحبته ورعايته .. كان الرجل ينسى " طواحينه " ومشاغله الكثيرة , يشعر كأنه يلقى بثقل الحياة كلها عند قدمى تاماف , بل بالاحرى عند قدمى الهها , ليحمل قوة جديدة تسنده , فيعود الى الصعيد بفكر هادئ ونفس راضية مطمئنة ...كانت تاماف تروى للرجل كيف يرسل الله حبيبه ابى سيفين , ملاك الدير , يحميهم ويسندهم ...
تجديد الطواحين
قرر الرجل ان يجدد " طواحينه " فعرض بعضها للبيع وكان ينتقل من قرية الى اخرى يتقاضى ثمن " الطواحين " ليضعها فى حقيبته الصغيرة التى بيده .. لاحظ احد سائقى سيارات الاجرة الاشقياء الرجل وقد تكدست الحقيبة بالاموال , فصمم ان يغتصبها مهما كلفه الامر ...
بدأ السائق يتجاذب الحديث مع الرجل حتى انتهى بسؤاله ان كان يريد الذهاب الى ابى قرقاص فى سيارته الاجرة , فأجاب الرجل بالايجاب واتفق معه على الاجرة ...
ما أن ركب الغنى السيارة حتى بدأ السائق يتحدث معه بلطف ليكون معه شيئا من الصداقة .. واذ اقترب بالسيارة من قرية " كفر عمار " وهى بلدة السائق , تظاهر بوجود عطل بسيط فى السيارة , فأستأذن الرجل ان يميل الى القرية لكى يقوم باصلاح السيارة فى دقائق بسيطة , والرجل فى طيبة قلبه وافق ...
مال السائق الى قرية كفر عمار , وامام كوخ بسيط توقف ودخل الكوخ ثم عاد يحمل بعض " العدد " الميكانيكية , وتظاهر بأصلاح موتور السيارة , وقد طمأن الغنى انها دقائق بسيطة ...
فى سرعة عجيبة كان السائق قد التقى بأثنين من اقربائه داخل الكوخ .. فقال له احدهما " لماذا عدت سريعا ؟ " " اصمت " هكذا اجاب السائق وقد وضع اصبعه على فمه وامسك بالرجلين ودخل بهما الى حجرة داخلية .. وفى صوت خافت , قال لهما " اخرجا من الباب الخلفى , واسرعا الى الطريق خارج القرية , وتظاهرا انكما تريدان عونا منى ان اقوم بتوصيلكما الى قرية فى طريقنا الى ابى قرقاص .. ان الرجل الذى معى فى السيارة بسيط , ويحمل حقيبة قد شحنت بالاموال النقدية " .. قال احد الرجلين " كيف نغتصبها ؟ اجاب السائق لاتخافا فأن الرجل سيقبل ان تركبا معنا , وفى الطريق انا اعرف مكانا قفرا , هناك نقتل الرجل ونأخذ حقيبته " ...
الاشقياء الثلاثة
عاد السائق يسترجع الحديث مع الغنى وفى بساطة عاد الرجل يتحدث فجأة تطلع السائق فرأى الرجلين من بعيد يشيران اليه ... ثم استأذناه ان يركب معهم ثم ركبا معهم ... وبسرعة هائلة كان السائق الشقى يطوى الطريق طيا , وحين اختفى كل العمران وبجوار ترعة توقف السائق فجأة ...
هنا افاق الغنى لنفسه وادرك ان الخطر يحدق به لا محالة , فقد ظهرت علامات الشر على وجوههم , ولم يعرف ماذا يفعل .. بدأ يسألهم , بل يتوسل اليهم قائلا : ماذا تريدون ؟؟؟ فقالوا الحقيبة .... اذن خذوها واتركونى ... لا نقدر , فأنك تخطر الشرطة ..
حاول الرجل ان يؤكد لهم انه لن يفعل ذلك , لكن توسلاته كانت كالهباء , وبدأ الثلاثة يتشاورن بسرعة كيف يقتلونه ...
فى لحظات خاطفة رفع الرجل انظاره الى الله , وتذكر عمل الله مع الرهبات بقديسة ابى سيفين , وفى صرخه مرة خرجت من القلب طلب معونة اله ابى سيفين ....
حاول الاشقياء الثلاثة ان يمسك كل منهم بيد الاخرين , فقد تراجعوا الى الوراء مبهورين .. لقد ارتفع الرجل وبيده الحقيبة قليلا عن الارض , وامسكه من الخلف احد الضباط وطار به نحو الضفة الاخرى من الترعة ...
هل هذا حلم ام حقيقة ؟؟؟
لم يصدق الاشقياء الثلاثة اعينهم , ولم يستطع احدهم ان يفتح فاه ليعلق , حتى الغنى كان فى حالة ذهول ... خشى الرجال ان يلقى الضابط القبض عليهم , وفى غير وعى دخلوا السيارة , واسرع السائق فى جنون مع خوف ورعدة ... واختفى منظر السيارة ... نسى الغنى امر الحقيبة التى يمسك بها وهو لا يدرى , ونسى تهديدات الرجال الاشقياء , لكنه كان فى ذهول , تارة يتطلع الى الضابط الذى اخذ يربت على كتفيه يطمئنه , واخرى ينظر نحو الضفة الاخرى للترعة فلا يجد اثرا للسيارة , وثالثة يحدق شمالا ويمينا يحدق بعينيه وهو بلا حراك ... مرت دقائق وكأنها ساعات والضابط يلاطف الرجل ويعاتبه .. لقد جلس بجواره يؤكد له الا يخاف , فأنه لن يتركه حتى يطمئن عليه تماما , وكان ايضا يعاتبه كيف يتصرف هكذا بغير حكمة .. كيف يجمع الاموال فى الحقيبة امام الاخرين ... طال حديث الضابط مع الغنى حتى هدأت اعصاب الرجل تماما , ثم نقله الى الضفة الاخرى الى حيث كان وهو يقول له " لا تخف , فأنى ارسل لك احد احبائى " ...
لقاء الاحباء
لم تمض دقائق حتى ظهرت فى الطريق سيارة " مرسيدس " ملاكى مسرعة ... اوقفها الضابط .. بدأ الضابط يسأل عن الطريق الذاهب اليه , واذ اجابه وعرف منه انه يعبر بأبى قرقاص سأله ان يأخذ الرجل معه , فأظهر صاحب السيارة كل قبول ورضى .. عندئذ اكد له الضابط ان الرجل حبيبه , وان يهتم به ويقوم بتوصيله حتى منزله ... ركب الغنى السيارة ومعه حقيبته واذ اطمأن الضابط عليه فجأة اختفى ... لم يتحرك السائق .. واخذ يسأل : اين الضابط ؟؟ الذى كان يتحدث معى ؟؟؟
- ذهب .... اين ذهب ؟؟ .... عاد الى مكانه ....
بدأ السائق يقول له لم يذهب الى اى موضع .. فأين ذهب ؟؟
عندئذ اجابه الرجل : " انه القديس ابى سيفين " ...
لم يصدق الرجل نفسه حتى روى له الغنى قصته كاملة ... واوضح له كيف قال عنه انه " حبيبه " عندئذ عاتبه صاحب السيارة " ولماذا لم تقل لى لكى اخذ بركته قبل ان يختفى " وبدأ الاثنان يتحدثان عن عمل الله فى قديسه ابى سيفين , فقد كان صاحب السيارة يخدم فى كنيسة لابى سيفين ويعرف الكثير عن بركات هذا القديس ...
وفى اليوم التالى غادر الرجل ابى قرقاص وجاء الى دير ابى سيفين بمصر القديمة يقدم الشكر لله الذى يتمجد فى قديسيه ويروى لتاماف كيرية وامهات الدير ماحدث معه ...