المسيحية – للقديس نكتاريوس اسقف المدن الخمس
ليس الدين المسيحي نظاماً فلسفياً يتجادل حوله الناس المتعلّمون والمتدربون في العلوم الماورائية، فيعتنقونه أو يرفضونه بحسب الرأي الذي شكّله كل منهم
. إنه الإيمان المؤسّس في نفوس الناس والذي ينبغي أن ينتشر للكل ويُحفَظ في ضمائرهم...
في المسيحية حقائق فوق فهمنا العقلي، ولا يستطيع عقل الإنسان المحدود أن يستوعبها. إن ذهننا يدركها، ويقتنع بها، ويشهد لوجودها الفائق الطبيعة...
إن المسيحية هي دين الإعلان.
يعلِن الإله مجدَه فقط للذين تكمّلوا بالفضيلة.
تعلِّم المسيحية الكمالَ من خلال الفضيلة وتطلب من أتباعها أن يكونوا قديسين وكاملين. تستهجن المسيحية مَن هم تحت تأثير الخيال وتقاومهم.
إن مَن هو كامل فعلاً يصير بالمعونة الإلهية خارج الجسد والعالم، ويدخل عالماً روحياً آخراً؛ وبالطبع، ليس بالخيال بل بتألق النعمة.
بدون النعمة وبدون الإعلان لا يستطيع الإنسان، حتى الأكثر فضيلة بين البشر، أن يتعالى عن الجسد والعالم.
يعلن الله نفسه للمتواضع الذي يحيا بحسب الفضيلة.
إن الذين يركبون جناح الخيال يحاولون الطيران مثل أكيروس ويصلون إلى النهاية نفسها.
إن الذين يؤوون الأوهام لا يصلّون؛ لأن الذي يصلّي يرفع عقله وقلبه إلى الله، بينما الذي يتحوّل إلى الخيالات يقودنفسه إلى الانحراف.
إن الذين يدمنون الخيال ينسحبون من نعمة الله ومن عالم الوحي الإلهي.
فهم قد تركوا القلب الذي تستعلَن فيه النعمة وأخضعوا أنفسهم للوهم المجرّدمن كل نعمة. إن القلب هو الوحيد الذي يتسلّم معرفة الأمور التي لا تُفهَم بالحواس، لأن الله، الذي يسكن في القلب ويتحرّك فيه، يتكلّم إليه ويكشف له جوهر الأمور المرجوة.
أطلبْ الرب كل يوم.
ولكن اطلبه في قلبك وليس خارجه.
وعندما تجده قف برعدة وخوف كما الشاروبيم والسارافيم لأن قلبك قد أضحى عرشاً لله.
ولكن لكي تجد الله، كُنْ متواضعاً كالغبار أمام الرب، لأن الرب يمقت المتكبر، بينما يزور متواضعي القلب، ولهذا هو يقول: "إلى مَن سوف أنظر، إلاّ لمَن هو عادل ومتواضع القلب؟" ينير النور الإلهي القلبَ النقي والذهن النقي، لأنهما قابلان لتلقي النور؛ بينما القلوب والأذهان الدنِسة، فيما هي غير قابلة لتلقي الاستنارة، فهي تمقت كثيراً نور المعرفة، نور الحقيقة.
إنها تحب الظلام... الرب يحب أصحاب القلب النقي ويستمع إلى صلواتهم ويمنحهم طلباته التي تؤدي إلى الخلاص، ويكشف نفسه لهم ويعلمهم أسرار الطبيعة الإلهية.