6 كانون الثاني عيد الظهور الإلهي ( الغطاس )
شرح أيقونة الظهور الإلهي - المعمودية
المعمودية هي سر من أسرار الكنيسة السبعة مؤسسها السيد المسيح بذاته بقوله لتلاميذه
"اذهبوا و عمِّدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس و علموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به
و ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر"
(متى28: 19-20)
إن كلمة معمودية كلمة سرّيانية تعني (الاغتسال أو الغوص) ،
و إن معنى العماد هو أن البشرية قد غطست في حدث الخلاص الذي هو يسوع المسيح ،
و قد اشتركت في بشريته التي ماتت و قامت من الموت ؛ و المعمودية أو الغطاس نسميها
أيضًا عيد الدِّنْح (دِنحُا- دِنْحو) كلمة سرّيانية معناها الظهور ،
لأن المعمودية حدث إلهي عظيم ظهرَ فيه سر الثالوث الأقدس ،
أي الابن الذي بُعثَ من قِبَل الآب بقوة الروح القدس .
إن أيقونة العماد نسخة صادقة لما كتب في الكتاب المقدس عن معمودية يسوع في نهر الاردن ،
و كل إيماننا واضح و جليّ فيها . كما يقول القديس يوحنا فم الذهب :
"بعماده و ليس بميلاده ظهر علنيًا للعالم ، فقبل عماده لم يكن معروفًا من الشعب" ؛
و إن كان السيد قد ظهر صاعدًا من المياه ، إنما ليعلن أنَّه منطلقٌ بشعبه الجديد المتحد فيه ليهبه
"البنوة للآب السماوي" ،
هذه هي أرض الموعد التي يحملنا إليها يسوع بعبوره بهم نهر الأردن .
و إن أتينا إلى شرح أيقونة العماد لوجدنا أنفسنا أمام سر عظيم ؛
فأولوية عماد المسيح الهادفة لتطهير الجنس البشري و رفعه لكثرة محبته اللامتناهية
للبشر لنكون أخوة له و أبناء لله بمحبة الروح القدس ،
و يقول القديس أمبروسيوس في تفسيره لإنجيل لوقا :
"اعتمد الربّ ذاته ... لم يُعَمَّدْ ليُطَهَّرْ ، و إنما ليطهِّر الماء ،
فإذ نزل إليها المسيح الذي لم يعرف خطيئةً صار لها سلطان على التطهير ،
بهذا كل من يُدفن في جرن المسيح يترك فيه خطاياه" .
و في أعلى الأيقونة نرى نصف دائرة تمثل السماء يَنْبَعِثُ منها شعاع
و منه حمامة يَنْبَعِثُ منها ثلاثة أشعة لتستقر فوق هامة المسيح الواقف في نهر الأردن
الذي لم يصوَّر كأنه نهر بل بالأحرى كأنه مغارة ، و على الجهة اليسرى
على كتف النهر نرى يوحنا المعمدان لابسًا جلدًا واضعًا يده على رأس المخلص ؛
و الملائكة على الجهة الأُخرى ، و عددهم يختلف بحسب الأيقونة ،
و غالبًا ما يصوَّر في المياه شَخْصٌ يغرف المياه من النهر المقدس ممثلاً بذلك الكنيسة
و أبناءها تنهل من هذه المياه ؛ و المشهد الكامل مصوَّر على خلفية جبلٍ يمثِّل الأرض .
و كما لكلِّ حدث إنجيلي أو مَثل عدة قراءات ، فهذه الأيقونة
تمثِّل قراءتَيْنِ :
القراءة الأولى :
هي تصوير المعنى الحقيقي الواقعي للعماد ، الذي هو شرط أساسي للخلاص ،
و هذا السر أي سر المعمودية المؤسس من المسيح الذي ليس بحاجة إلى أن يتعمَّد ،
فبإنسانيته أظهر لنا بطريقة تبشيرية أن الإنسان يجب أن يتعمَّد و يتطهَّر ليستحقَّ الخلاص
(إنه الخلاص و أظهر لنا طريق الخلاص) ،
فبداية دعوته الخلاصية على هذه الأرض كانت بالعماد ليدخلنا في سر الكنيسة ،
و بتعليمه الإلهي صار الإنسان عضوًا يستحقُّ الخلاص في الكنيسة .
أما القراءة الثانية :
فهي المعنى اللاهوتي ، و هو الظهور الإلهي لعقيدة الثالوث ،
ففي معمودية السيد المسيح ظهر الثالوث القدوس متمايزًا لكنه غير منفصل ،
الابن المتجسد صاعدًا من المياه لكي يهبنا الخروج من خطايانا لندخل به و فيه إلى شركة أمجاده ،
و الروح القدس نازلاً على شكل حمامة ليقيم كنيسة المسيح الحمامة الروحية الحاملة سمات سيدها ،
و صوت الآب صادرًا من السماء يعلن بنوتنا له في ابنه ،
و يقيم منا حجارة روحية ترتفع خلال السماوات المفتوحة لبناء الكنيسة الأبدية ؛
هكذا ظهر الثالوث القدوس لبنياننا بالله ، لذا دعي عيد عماد يسوع المسيح بعيد الظهور الإلهي .
و الروح القدس بشكل حمامة هي حركة الآب تجاه الابن هي تلك الحركة الأبوية
التي تشمل كل إنسان ليحميه بحبه و أبوته ، و بتنازل الابن بميلاده و عماده
و صلبه و قيامته نموت و نقوم معه .
أما نهر الأردن في هذه الأيقونة يظهر كأنه مغارة أو كهف مملوء بالماء
و هنا تذكير لمغارة الميلاد ، و نرى أيضًا في بعض أيقونات العماد يسوع
واقفًا على أبواب الجحيم كالتي نراها في أيقونة القيامة حيث نزل إلى أعماق الجحيم
ليفتدي الإنسان و يقيمه إلى المجد الأبدي ، و في كتابات الآباء تسمى مياه الأردن "القبر السائل" ،
و هو تصوير مسبق للقبر الذي وُضع فيه المسيح .
و الشخصيات التي نراها غالبًا في المياه عند أقدام يسوع غالبًا ما يكون رجلاً ،
(يرمز الى نهر الأردن) و هو يغرف من المياه و يعطيها ،
و يمثل الكنيسة الحاضرة التي تغرف من محبة الآب لتعطي من حولها ،
و شخصًا آخر و غالبًا ما يكون امرأة و هي تمثل البحر عندما رآه هرب
(مز 114: 3) .
أخيرًا على ضفة النهر نرى الملائكة ، تختلف أعدادهم حسب الأيقونة و لم يُذكروا في الإنجيل ،
لكن في الكتابات الليتورجية ، بلا شك دورهم هو الصلاة و التسبيح و الخدمة ،
و يحملون على أياديهم ألبسة أو منشفة لخدمة المسيح ، و دائمًا أياديهم مغمورة بثيابهم علامة الاحترام
و السجود و الإكرام و أيضًا لعدم لمس الثياب المقدسة بأيادٍ عارية ؛
و غالبية أيقونات العماد تصوِّر الفأس على جذع شجرة على إحدى
ضِفَّتَيْ النهر علامة لما جاء في أنجيل متى :
"ها هي ذي الفأس على أصول الشجر ، فكلُّ شجرةٍ لا تُثمرُ ثمرًا طيّبًا تُقطع و تُلقى في النار"
(3: 10).
و الأسماك التي هي مخلوقات مائية باتت علامة للإفخارستيا لدى المسيحيين .
و هكذا
"الله صار إنسانا ليصيرَ الإنسان إلهًا" هذه الجملة التي استعملها كثير من آباء الكنيسة ،
و هذا ما يظهر في الأيقونة :
السماء تفتح لأن معصية آدم قد أغلقتها ،
و مجيء المسيح و ظهور الثالوث هدفه إعادة الإنسان إلى سابق عهده مع الله و مشاركته الفرح السرمدي ، و هذا يظهر في نصف الدائرة في الأعلى حيث السماء و الملكوت ،
و الشعاع الأول هو أن الله واحد و الأشعة الثلاثة هي ثالوثية الله ،
و لم يبقَ حاجز بين السماء و الأرض .
لنأخذ المسيح مثلنا الأعلى ، و لنقترب إلى نعمة العماد الأقدس ...
فيفتح لنا الله الآب كوى السماوات و يرسل لنا الروح القدس ،
الذي يقبلنا كأبناء له ، فإن الله الآب خاطب المسيح في وقت عماده المقدس
كأنه به و فيه قد قبل الإنسان الساكن الأرض ،
معلنًا بنوة الجنس البشري بالصوت الحلو القائل :
"أنت ابني الحبيب بك سررت"
(لو 3: 22) .
لنذهب بهذا الروح
"روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأبشِّر الفقراء ،
و أرسلني لأعلن للمأسورين تخلية سبيلهم ...." (لو4)
الذي أعطانا إياه الرب الإله حاملين ثمارًا طيبة تليق بأبناء الله و أخوة يسوع ،
صارخين هاتفين على غرار الملائكة
قدوس قدوس قدوس أنت الرب الإله الصباؤوت السماء و الأرض
مملوءتان من مجدك أوشعنا في العلى .