القديس يوحنا فم الذهب والاستشهاد
وعندما نقترِب من فِكر القديس يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية
عن الاستشهاد نجده يعتبِر أنَّ الاستعداد القلبي للاستشهاد يُحسب شهادة..
أكَّد القديس فم الذهب على الإنتفاع من سِيَر الشُّهداء بقوله
”إنَّ شهادِة الشُهداء وسِيرتهم أمامنا هي في حد ذاتها عِظة للإنسان، وعون للكنيسة كلها
وتثبيت للإيمان المسيحي وغلبة لأوهام الموت، وعيِّنة للقيامة، وتوبيخ للشيطان
وتعليم للفلسفة الحقيقية، واحتقار أباطيل الدنيا، والدليل الأكيد للسمو بمطالِب النَّفْس
وراحة وعزاء للنَّفْس الحزينة، ومُحرِك للصلوات، ودخول في مجال القُوَّة
وباختصار أنَّ سيرِة الشُّهداء هي مُلهمة لكل الأمور الصالِحة“.
تطلَّع القديس إلى الشُهداء كقدوة ومِثال لنا فيقول:
”عندما تتصور كيف احتقر الشُهداء الموت، مهما كنت جباناً أو كسلاناً
فلابد أن تُسلتهم أفكاراً عالية ومجيدة، وتحتقِر كل التوافِه ومسرات الأرض
وتشتاق أن يكون لك سيرة سماوية، ومهما كانت أوجاعك التي تحسها في جسدك
إلاَّ أنَّ تصوُّر آلام الشُهداء سيدخل فيك إحساس قوي بالصبر والرضا
ومهما كان إحساسك بالفقر والعَوَز والضيقة، فبمجرد أن تتأمَّل في عذابات الشُهداء التي احتملوها
ستشعر بالعزاء والإكتفاء، وتكون لك آلامهم بمثابِة الدواء الشافي
من أجل ذلك فإني أشجع دائِماً إقامِة تِذكارات الشُهداء
وقد أحببتهم جميعاً وكأني أحتضِنهم في صدري“.
وعن دالِّة الشُهداء يقول
”لنترجى الشُّهداء ونتوسل إليهم أن يشفعوا فينا إذ أنَّ لهم دالَّة كبيرة للشفاعة فينا
بل وقد صارت دالَّتهُم بعد الموت أعظم بكثير مما كانت من قبل“.
ربط القديس فم الذهب بين المحبَّة والاستشهاد، ففي مديح لشُهداء رومية يقول:
”ليست المحبة أقل قدراً من الاستشهاد في شئ، فالمحبة هي رأس كل الصالِحات
لأنَّ المحبة بدون الاستشهاد تصنع تلاميذ للمسيح، لكن الاستشهاد
خُلواً من المحبة ما يقوى على صُنع تلاميذ“..
ومن أقواله المأثورة
”أنَّ الذي لا يُحِب أخاه، حتى ولو نال الاستشهاد فما ينتفِع كثيراً“.
وعن غلبِة الشهيد وقُوَّة الشِهادة يقول
”صفان من المُحاربين، صف الشُهداء وصف الطُّغاة، وبينما الطُّغاة يمتشِقون السلاح
يتجرد منه الشُّهداء، والانتصار معقود للمُتجردين وليس للمُمتشقين“.