عاش ابو حيان التوحيدي في فترة الخلافة العباسية وكان حكيماً واديباً وفيلسوفاً صوفياً .. شارك في علوم شتى ، وكان صاحب طراز فريد في
الكتابة والتأليف ، ومن كتبه مثلاً : الصديق والصداقة، الامتاع والمؤانسة، المقابسات .. الخ .
وكان أبو حيان قد أحرق كتبه في آخره عمره لقلة جدواها، وضنا بها على من لا يعرف قدرها بعد موته. وكتب إليه القاضي أبو سهل علي بن محمد
يعذله على صنيعه، ويعرفه قبح ما اعتمد من الفعل وشنيعه. فكتب إليه أبو حيان يعتذر من ذلك: حرسك الله أيها الشيخ من سوء ظني بمودتك وطول
جفائك، وأعاذني من مكافأتك على ذلك، وأجارنا جميعاً مما سود وجه عهد إن رعيناه كنا مستأنسين به، وإن أهملناه كنا مستوحشين من أجله، وأدام
الله نعمته عندك، وجعلني على الحالات كلها فداك.
وافاني كتابك غير محتسب ولا متوقع على ظمأ برح بي إليه، وشكرت الله تعالى على النعمة به علي، وسألته المزيد من أمثاله، الذي وصفت فيه بعد
ذكر الشوق إلي، والصبابة نحوي ما نال قلبك والتهب في صدرك من الخبر الذي نمى إليك فيما كان مني من إحراق كتبي النفيسة بالنار وغسلها بالماء،
فعجبت من انزواء وجه العذر عنك في ذلك، كأنك لم تقرأ قوله جل وعز: (كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون)، وكأنك لم تأبه لقوله تعالى:
(كل من عليها فان).
وآخرون أتلفوا كتبهم
منهم: أبو عمرو بن العلاء، وكان من كبار العلماء مع زهد ظاهر وورع معروف، دفن كتبه في بطن الأرض فلم يوجد لها أثر.
وهذا داود الطائي، وكان من خيار عباد الله زهداً وفقهاً وعبادة، ويقال له تاج الأمة، طرح كتبه في البحر وقال يناجيها: نعم الدليل كنت، والوقوف مع
الدليل بعد الوصول عناء وذهول، وبلاء وخمول. وهذا يوسف بن أسباط: حمل كتبه إلى غار في جبل وطرحه فيه وسد بابه، فلما عوتب على ذلك قال
دلنا العلم في الأول ثم كاد يضلنا في الثاني، فهجرناه لوجه من وصلناه، وكرهناه من أجل ما أردناه.
وهذا أبو سليمان الداراني جمع كتبه في تنور وسجرها بالنار ثم قال: والله ما أحرقتك حتى كدت أحترق بك.
وهذا سفيان الثوري: مزق ألف جزء وطيرها في الريح وقال: ليت يدي قطعت من ها هنا ولم أكتب حرفاً.