26 أيار
العذراء ممتلئة نعمة
1- ممتلئة نعمة
"السلام عليك يا ممتلئة نعمة، الرب معك". بهذه الكلمات حيّ الملاك العذراء مريم عندما بشّرها بالأمومة الإلهية. كلمات لم تسمعها أذن من قبل ولم تخطر على قلب بشر، لأنّها تعني قداسة خارقة وتنفي عن مريم كل خطيئة أصلية وفعلية.
ومصدر هذه القداسة هو الله نفسه لأنّ الله أراد أن تكون أمّ ابنه بريئة من كل عيب، مرتفعة فوق الجميع. وهذه القداسة مرتبطة باستحقاقات المسيح. وهي نتيجة فداء المسيح لنا نالت ثماره العذراء مريم قبل أن يتحقق في الزمن. فإذا كانت مريم هي الهيكل المعدّ لتجسد الابن، إذا كانت مريم هي المركبة التي تحمل ابن الله وتعطيه جسداً من جسدها، فوجب أن تكون ممتلئة نعمة، ومستعدة لتلبية أوامر الله لأنّ الله معها.
ولقد هتفت اليصابات لدى زيارة مريم لها: مباركة أنت في النساء مباركة ثمرة بطنك لأنّها استحقت أن تكون مسكناً لله تعالى. وعندما يملأ الله حياة مريم، لا يبقى مجال لأي فراغ في هذه الحياة.
2- النعمة
ممتلئة نعمة: ما معنى هذا؟
غالباً ما نفهم النعمة كبركة من الله أو عطية عابرة يغدقها على إنسان ثم لا تلبث أن تتلاشى. لكن النعمة بمفهومها الجوهري هي حياة الله التي تغمر الإنسان وترفعه إلى مرتبة تفوق قواه الطبيعة. النعمة هي محبة الله الفياضة التي حدته إلى أن يتجسد ويفتدي الإنسان ويسكن فيه ليُعطي الإنسان سعادة يتمناها. فالله هو الذي يبدأ مغامرته بتأليه الإنسان، بعطاء حرّ منه لا يفرضه فرضاً ولا بد لنا، لكي نفهم تصرف الله هذا، من العودة إلى اختباراتنا البشرية العميقة. سنتوقف مثلاً على الحب الذي يجمع ويوجد بين شخصين. في بادئ الأمر موقف المحب هو موقف القوي والضعيف في آن معاً. أنّه قوي لأنّه يحاول جذب الآخر إليه، يستميله بأساليب متنوعة تتناسب وطبيعته وعندما تنجح المحاولة تنكشف أمام المدعو خفايا وأبعاد الحب العميقة.
وإنّه ضعيف أيضاً لأنّه لا يريد أن يفرض محبته فرضاً بل يريدها أن تتغلغل في شخص المحبوب وتجذبه بجمالها الداخلي. وهناك مثل آخر يفهمنا نوعاً ما محبة الله وهو مثل الفقير الذي يطلب صدقة من الغني. وبدلاً من أن ينال الصدقة، يقبله الغني في داره وينزع ثيابه البالية ويلبسه حلّة البنين فينتقل من حالة إلى حالة ويرتفع من الذل إلى كرامة الأبناء وإلى دالة الأصدقاء.
فالنعمة إذاً هي سكنى الله في الإنسان.
والممتلئة نعمة هي التي جمّلها الله مسكناً له.