ستندهشون وتفتخرون عند معرفة قصة صليب البابا فرنسيس الخشبي الذي لفت أنظار العالم ووسائل الاعلام في زيارته الرسولية إلى أميركا الجنوبية؟!!
لفت "الصليب الخشبي" في يد البابا فرنسيس الأنظار ووسائل الاعلام في زيارته الرسولية إلى أمريكا الجنوبية، مبتدئاً من الإكوادور فبوليفيا وباراغواي. فالصليب خشبي (الصولجان) بسيط يمشي معه البابا فرنسيس كعصا الرعي الحقيقية بعيداً عن ذهب ومجوهرات وأحجار كريمة. دخل به البابا إلى منتزه لوس سامانيس في مدينة غواياكويل بالإكوادور للاحتفال بقداسه الأول في قارته الجنوب أمريكية، وغير بعيد عن بلده الأصلي الأرجنتين، ليجد "صليبه" قد أمسى تساؤلاً وسؤالاً. من أين لك هذا؟
وقد أتى الجواب واضحاً وصريحاً، ليس على لسان البابا، وإنمّا على لسان الناطق الرسمي الأب فيديريك لومباردي المنتمي مثل فرنسيس إلى العائلة "اليسوعية": إنه من بيت لحم. ومن خشب زيتون الأرض المقدسة. هكذا بإيجاز وبدون لف ودوران، أجاب لومباردي. ما أثار فينا نحن أبناء هذه المنطقة مزيداً من الفخر والاعتزاز.
وقد أوضح لومباردي أن البابا قد حمل النسخة الأصلية – الأولى، من شكل هذا الصليب، لأول مرة في أحد الشعانين 2014، والذي به يرفع المصلون أغصان الزيتون وسعف النخيل. وقد ورد إلى اليوم روايتان: الأولى تقول أن أصله من مهاجرين صوماليين، والثانية أنه من مساجين يان ريمو الذي زاره البابا. وسواء أخذنا بإحداهما، فقد حصل للصليب الأول "تدمير ىجزئي بسبب السفر" وأثناء زيارة البابا إلى الأرض المقدسة. فطلب من أبناء الأرض المقدسة إعداد شبيه له.
البابا إذاً يحمل صليباً من بيت لحم، من ذات الخشب الذي صنع منه "مذود" يسوع المسيح، المولود فقيراً ومتواضعاً. ومن ذات الخشب الذي يمثل زيتون البلاد الصامت والصابر والصامد على ما يجري يومياً من محاولات اقتلاع لتبني مكانه جدان سميكة بحجم سماكة الكراهية.
ومن ذات الزيتون الذي يمثل "مصدر رزق" لسكان فلسطين المغلقة أبواب الحرية في وجوههم إلاّ أنّ اليأس لا يتغلغل أبداً إلى نفوسهم. ومن ذات الزيتون الذي رفع "عرفات" يوماً غصنه في يديه في الأمم المتحدة عام 1974 ليقول للعالم في يدي غصن زيتون فلا تسقطوه من يدي.
وهو كذلك من زيتون يعود إلى مئات (بل ألوف) السنوات على جبل ما زال يحمل اسم الزيتون، وقد شهد على حبّات عرق تساقطت من جبين المعلم – قبل سويعات من تكليله بالشوك. وهو كذلك من زيتون تغّنى به الشعراء، ومنهم محمود درويش في رائعته ’عن الصمود‘:
"لو يذكر الزيتون غارسه لصار الزيت دمعاً!
يا حكمة الأجداد لو من لحمنا يغطيك درعاً!
سنظل في الزيتون خضرته وحول الأرض درعاً"!
ويسير فرنسيس وسط الألوف المؤلفة (مليون ونصف) من أهل الإكوادور، ويتحدث لهم عن مريم العذراء ودورها في عرس قانا الجليل، وفي القداس الثاني تحدّث لهم عن صلاة يسوع في ليلة النزاع (خميس الأسرار) أي في جبل الزيتون الذي صنع في مكان غير بعيد عنه صليب فرنسيس.
وهو صليب منحوت بأيدٍ عربية ويتجاور إلى صليب الراعي الصالح على صدره، ليقول لعالم اليوم بأنّ الوداعة هي التي يحث لها ان تحكم العالم. وما بطش الإنسان وعنفه وحديد أسلحته سوى تدمير للإنسانية التي لن تعرف طعم الراحة إلاّ بالوداعة والحلم والعفو عند المقدرة.
وهذا قد قاله أمير الشعراء مخاطباً الجنرال القادم بالنياشين والأسلحة والعطش إلى احتلال الآخرين واختلال الموازين، فقال له:
"يا فاتح القدسِ، خلّ السيف ناحية
ليس الصليب حديداً، كان بل خشباً"
بقي القول أن صليب فرنسيس لا مصلوب عليه. هل نسي النجّار العربي ذلك؟
كلا، لقد ترك عرش الصليب فارغاً، لكي نضع عليه كل شعب مظلوم وكل شخص يعاني بصمت آلامه النفسية والجسدية.
آه يا لومباردي!، كم جرحاً قد فتحت بتصريحك!
الإثنين يوليو 13, 2015 6:02 am
