كي لا تبقى وحيداً في هذا العالم.
مهما بلغ الإنسان من رفعة وسمو عالميَّيْن، ومهما ترفّع إلى أعلى الدرجات والمناصب،
ومهما ادّخر كنوزاً وأموالاً،
يبقى وحيداً ما لم يعلم أنّ كلّ ما وصل إليه وكلّ ما يملك فانٍ وإلى زوال.
هذه الوحدة هي نتيجة لتعلّقه بما يملك ولسَجن نفسه في إطار ماديّ بحت،
وانغماسه في الأنانيّة.
وكلّما غرق في أنانيّته ابتعد عن النّاس وليس بالضّرورة أن ينعزل عنهم.
وإنّما لشدّة انهماكه بما لديه من مال أو مواهب أو جمال...،
أو وبما حقّق من نجاحات معتبراً أنّه حقّقها بذاته متنكّراً لما منحه الرّبّ من قوّة وقدرة،
انشغل عنهم لاهتمامه بذاته فقط.
الوحدة قاتلة إذا ما ملأت حياة الإنسان.
إنّها تزيد من قلقه واضطرابه فتسيطر على حياته الوحشة والغربة.
فوَهو المرتبط بأشخاص كثيرين والمنهمك بمشاغل عدّة ونشاطات شتّى،
يعشّش في داخله فراغ كبير وكآبة لا تعالجها أيّة علاقة.
من ناحية أخرى هناك من يحيا وحيداً ظاهريّاً لكنّه ممتلئ من الحضور الإلهي،
ومرتبط بعلاقة حبّ وصداقة مع يسوع المسيح.
العلاقة مع الله تؤّدي بالإنسان إلى الاكتفاء والاستغناء عن كلّ الأمور الدّنيويّة
بمعنى أنّه يملك كلّ شيء ولكنّه لا يسمح لشيء أن يستعبده أو يستحكم به.
" كمجهولين ونحن معروفون، كمائتين وها نحن نحيا، كمؤدَّبين
ونحن غير مقتولين، كحزانى ونحن دائماً فرحون، كفقراء
ونحن نغني كثيرين، كأنّ لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء".
( 2 كو: 10،9:6).
ونحن نتلهّى بأمور عديدة بعيداً عن الرّبّ، تسلب منّا جمال هذا اللّقاء،
وتحرمنا من الفرح والسّلام الممنوحيْن لنا من كرمه وبالتّالي تحرمنا من التّصالح مع أنفسنا.
من اختبر العلاقة مع يسوع المسيح وولج سرّها العظيم، فهم أنّ القيمة الحقيقيّة للإنسان
هي حياته في المسيح.
وأدرك أنّ هذه الحياة هي الحياة الأبديّة الّتي تنمو في داخله وتملأ كيانه
فيحسب كلّ أمر غير مهم ويحسب أنّ القيمة الوحيدة الّتي تظهر جماله ومعرفته
ونجاح أعماله عي النّعمة المعطاة من المسيح.
" إنّي أحسب كلّ شيء أيضاّ خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربّي،
الّذي من أجله خسرت كلّ الأشياء،
وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح"
( فيليبي 8:3).
إنّ معرفة المسيح هي الطّريق إلى كلّ معرفة،
وخسارة كلّ شيء من أجله ربح يفوق كلّ تصوّر وكلّ إمكانيّات إنسانيّة.
والخسارة هنا لا تعني أن نحيا حياة راكدة وفاشلة،
دون عمل أو تحصيل علمي وثقافي وإنّما يريد بولس الرّسول أن يقول لنا
أنّ لا نعتبرها كنزنا الحقيقيّ.
فالكنز والنّعمة هما يسوع المسيح فقط، بعطاياه نكبر وننمو،
وبه نزداد معرفة وكِبَراً وسموّاً.
ومتى ربحنا المسيح ربحنا كلّ شيء واستحالت حياتنا فرحاً مستديماً
ولقاء مستمرّاً مع الله ومع الآخر فتنتفي الوحدة وتضمحلّ الغربة.
المسيح أتى إلى هذا العالم من أجل كل واحد منّا،
وأراد من ذلك أن يبني علاقة شخصيّة مع كلّ فرد منّا
كي لا نبقى وحيدين في هذا العالم الكئيب والحزين.
كذا يقول الرّبّ لنا في ( لوقا 10،9:15):
أحبّكم، مثلما أحبّني الآب، فاثبتوا في محبّتي.
إذا عملتم بوصاياي تثبتون في محبتي".
إنّ حياتنا في هذا العالم هشّة وآيلة للسّقوط في أيّة لحظة.
ولكنّنا في داخلنا نحيا الحياة الأبديّة بالفعل.
إنّها حياة الحبّ بيننا وبين يسوع المسيح،
فنحسب أنّ العالم كلّه لا يعني لنا شيئاً ما دام المحبوب الإلهي حاضراً في أعماقنا ومالئاً كياننا.
فنهتمّ لنحبّه أكثر ونتّحد به أكثر،
وننشغل في إرضائه حتّى لا نجرحه في صلب محبّته،
وحده الّذي يليق به كل حبّ ومجد وإكرام،
الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين. أمين.
مادونا عسكر