” وَكَانَ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا وَالْفَرِّيسِيِّينَ يَصُومُونَ، فَجَاءُوا وَقَالُوا لَهُ:«لِمَاذَا يَصُومُ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا وَالْفَرِّيسِيِّينَ، وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَلاَ يَصُومُونَ؟ ” ( مر 3 : 18 )
كان الفريسيون يسألون السّيّد المسيح عن سبب عدم صيام تلاميذه، فوضّح ذلك من خلال المثل الّذي قدّمه ” فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَصُومُوا وَالْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا. وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. ” ( مر 3 : 19-20 )
شبّه المسيح نفسه بالعريس، والتّلاميذ هم أصدقاء العريس، فهم لا يستطيعون أن يحزنوا ما دام العريس في وسطهم، فالصّوم هو تعبير عن الحزن، ولكن عندما يرفع العريس عنهم أي قصد بذلك صلبه وقيامته وصعوده للسّماء فحينئذٍ يصومون تعبيراً عن شوقهم وحزنهم لذهابه عنهم
فالفرّيسيّون لا يستطيعون فرض ناموسهم الحرفيّ في الوقت الّذي جاء به المسيح ليحرّرهم من حرف النّاموس ويبدأ عهداً جديداً هو عهد النّعمة، يجدّد فيه الإنسان ويحرّره من الإنسان العتيق، فيصبح قادراً على تقبّل الوصايا الجديدة، إذ لا يمكن لشخص يهوديّ يمارس فرائض النّاموس بحرفيّتها أن يقوم بالوصايا حسب المفهوم الجديد، فلا يمكنه الصّوم حسب المفهوم المسيحيّ قبل أن يتحرّر من النّاموس، ويوضّح لنا ذلك بمثالين:
المثل الاول:
” لَيْسَ أَحَدٌ يَخِيطُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، وَإِلاَّ فَالْمِلْءُ الْجَدِيدُ يَأْخُذُ مِنَ الْعَتِيقِ فَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَرْدَأَ ”
لا يرقَّع الثّوب العتيق بقطعة قماش جديد، لأنّ حوافّ الثّوب القديم سوف تنكمش وتتجمّع على الرّقعة الجديدة فيهترأ وتصبح حالته أسوأ، واليهوديّة وتعاليهما هنا هي بمثابة الثّوب العتيق، وباعتبار أنّ المسيحيّة هي الرّقعة الجديدة، يكون المقصود بذلك بأنّ المسيحيّة ليست رقعة نكمل بها اليهوديّة أو نرقّعها بها، وإنّما هي وصايا جديدة وتعاليم جديدة، فالمسيح لم يرد أن يصوم تلاميذه قبل أن يجدّدهم ويجدّد طبيعتهم ويهيّأهم لقبول وصاياه وحينئذ يصومون، فإذا كان المسيح يعطينا مفهوماً جديداً للصّوم، فلا ينفع تطبيقه على الّذين ما زالوا تحت النّاموس، وإلّا سيفسد الإنسان يضيع بين هذا وذاك.
المثل الثاني:” وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق عَتِيقَةٍ، لِئَلاَّ تَشُقَّ الْخَمْرُ الْجَدِيدَةُ الزِّقَاقَ، فَالْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق جَدِيدَةٍ ”
لا يجب وضع الخمر الجديدة في زقاق قديمة لأنه عند تخمّرها ينشق الزّقاق ويتلف، وهذا يوضح أيضاً أنّ الإنسان العتيق لا يمكنه تحمّل الوصايا الجديدة وإلّا فسد، فيجب تجديد طبيعة الإنسان أوّلاً ليصبح قادراً على تقبّل التّعاليم الجديدة والتّعامل معها لأنّ لا ينفع أن يُعطى شيء جديد ليصلح به شيْ قديم وإلّا أصبحت حالته أسوء من البداية، فلا يجب الدّمج بين التّعليم اليهوديّ والتّعليم المسيحيّ، فكلّ عهد يختلف عن الآخر, ونحن الآن نعيش في عهد النّعمة والخلاص ، آمين