القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير
دخول ملكوت الله
للدخول إلى ملكوت الله شروط وهذه الشروط متعلقة بالولادة الروحية، الولادة من فوق، ونقاوة القلب والقداسة والبر والوداعة واتضاع القلب وتنفيذ إرادة الله وعمل الأعمال التي ترضى الله وتليق بأولاد ملكوت الله ورفض كل أعمال إبليس وعدم الاتكال على المال أو على بنى البشر؛ قال السيد المسيح لنيقوديموس أحد معلمي ورؤساء اليهود
"الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله. قال له نيقوديموس كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ. ألعله يقدر أن يخل بطن أمه ثانية ويولد. أجاب يسوع الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح (161)".
والولادة من فوق تتم بقبول المسيح والإيمان به كالمخلص والفادي الذي قدم ذاته على الصليب نيابة عن كل البشرية، كل من يؤمن به، والميلاد بالروح يتم في المعمودية، بعد الإيمان؛ "من آمن وأعتمد خلص (162)":
"أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب (163)".
ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح الذي سكبه علينا بغنى بيسوع المسيح مخلصنا حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية (164)"،
"كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه. الذين وُلدوا ليس من دم ولا مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله (165)".
وهذه الولادة الروحية تحول الإنسان إلى خليقة جديدة "إذا كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة (166)"، فقد "شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة خلائقه (167)"، وتؤدى إلى نقاوة القلب والبر والقداسة والوداعة الذين هم أهم شروط دخول الملكوت "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات..
طوبى للجياع والعطاش إلى البر. لأنهم يشبعون. طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله.. طوبى للمطرودين من أجل البر. لأن لهم ملكوت السموات (168)".
ويؤكد السيد المسيح أن أنقياء القلب هم الذين لهم قلوب مثل قلوب الأطفال "من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد لن يدخله (169)"، ولما سأله تلاميذه عمن هو الأعظم في الملكوت "دعا يسوع إليه ولدًا وأقامه في وسطهم وقال:
الحق أقول لكم إن لم ترجعوا أو تصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات.
فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السموات (170)"، ولما انتهر تلاميذه الأولاد الذين تقدموا إليه ليباركهم، قال لهم "دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات (171)"،
كما أكد أن البر مطلوب لدخول الملكوت ليس مجرد حفظ الوصايا "ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبى الذي في السموات (172)"، بل الاشتياق للبر "طوبى للجياع والعطاش إلى البر". وعندما وجد السيد المسيح أحد الكتبة يحفظ الوصايا ويجاوبه بعقل قال له "لست بعيدًا عن ملكوت الله (173)"، ولكنه لم يكن من بنى الملكوت،
لماذا؟ لأنه لم يبرره المسيح ولم يعطى السلطان ليصير أحد أولاد الله، وهذا ما قاله السيد للشاب الغنى الذي كان حافظًا للوصايا منذ طفولته "يعوزك شيء واحد. أذهب بع كل مالك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال واتبعني حاملًا الصليب (174)".
كان الكتبة والفريسيون حافظين للوصايا ولكن برهم ناقص لذلك قال السيد لتلاميذه "إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات (175)".
ولا يدخل ملكوت الله المتكلين على الأموال، قال السيد لتلاميذه بعد أن مضى الشاب الغنى حزينًا "ما أعسر دخول ذوى الأموال إلى ملكوت الله. فتحير التلاميذ من كلامه. فأجاب يسوع أيضًا وقال لهم يا بنى ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله. مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله (176)".
وإنما يدخل الله الفقراء في الماديات والجسديات ولكنهم أغنياء في الإيمان "أما أختار الله فقراْ هذا العالم أغنياء في الإيمان وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه (177)".
ولا يدخل ملكوت الله ملكوت الله الجسدانيون والماديون الذين يعيشون بحسب الجسد وليس بحسب الروح "فإنكم تعلمون هذا أن كل زان أو نجس أو طماع الذي هو عابد للأوثان ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله (178)"، "أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله.
لا تضلوا لا زناة ولا عبد أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعوا ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله (179)"، "أما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني (180)".
والخلاصة أنه لن يدخل ملكوت الله "شيء دنس ولا ما يصنع رجسًا وكذبًا إلا المكتوبين في سفر حياة الحمل (المسيح) (181) ".
إنما يدخل الملكوت الذين يعيشون بحسب الروح وليس بحسب الجسد "أن لحمًا ودمًا لا يقدران أن يدخلا ملكوت الله. لا يرث الفساد عدم الفساد (182)"، وكما يحق للمسيح وإنجيله "ونشهدكم لكي تسلكوا كما يحق للذي دعاكم إلى ملكوته ومجده (183)"، "عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح (184)"،
ويتخذون من المسيح ذاته نموذجًا لحياتهم "تعلموا منى. لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم (185)"، ويتبعونه وينظرون للأمام وليس للوراء؛ قال أحدهم للمسيح "يا سيد ائذن لي أن أمضى وأدفن أبى أولًا. فقال يسوع دع الموتى يدفنون موتاهم وأما أنت فأذهب وناد بملكوت الله.
وقال أخر أيضًا أتبعك يا سيد ولكن ائذن لي أولًا أن أودع الذين في بيتي. فقال له يسوع ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر للوراء يصلح لملكوت الله (186)".
وكذلك الذين يتحملون الضيق والاضطهاد لأجل اسم المسيح "طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات. طوبى لكم إذ عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلى كاذبين أفرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات (187)"، "أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله (188)".