من أعظم المشاهد المسيحيّة التي لا تُنسى ما دوَّنته سيّدة ملحدة في أحد فصول كتابها عمّا رأته بعينيها في أحد سجون معسكرات الأعمال الشاقّة في سيبيريا (إذ كانت مُعْتَقَلة سياسيّة).
فهي تصف ما حدث مع السجينات المسيحيّات عندما حلَّ عيد القيامة، وكان ذلك في منتصف شهر نيسان. ورغم أنّ شهر نيسان يعلن حلول الربيع، إلاّ أنّه جاء في تلك السنة قارس البرودة جدًّا.
في يوم العيد كانت هناك جماعة من السجينات اللاّتي اعتُقِلن بسبب إيمانهنّ المسيحيّ، وكنَّ من "فورونيج"، (وهي مدينة تقع في جنوب وسط روسيا)، طلبن أن يُعفين من العمل في ذلك اليوم. إلاَّ أنَّ الموكَّلين على العمل في المعسكر لم يُبالوا بهنَّ؛ بل أمروهنّ أن يخرجن للقيام بأعمال التسخير في الغابة الكبيرة. وساقهنّ الحراس دافعين إيّاهنَّ بأسلحة بنادقهم.
وحينما وصلن إلى البقعة المقصودة ليقطعن منها الأخشاب، وضعن فؤوسهنّ ومناشيرهنّ على الأرض، وجلسن على جذوع الأشجار، وبدأن يترنَّمنَ بألحان قدّاس عيد القيامة. أحاط بهنَّ جنود الحراسة، وأرغموهنّ على السير أمامهم إلى مستنقعات الغابة المغطاة بالثلج، ثمّ أجبروهنّ على خلع أحذيتهنَّ.
وقفت السجينات حافياتٍ راسخاتِ الأقدام على طبقة الجليد العائمة، وأخذن يردِّدن كلّ مقطع من ألحان القدّاس، بينما كانت السجينات الأخريات يتوسّلن إلى الحرّاس ألاَّ يكونوا شديدي القساوة هكذا على هؤلاء الناس المُسالمين الذين لا يسيئون إلى أحد.
وتُعلق " إفجينيا جينزبيرج Evgenia Ginzburg" مؤلّفة الكتاب على هذه القصّة بقولها:
" هل كان هذا وهمًا، أو إنَّه قوّةُ عزيمةٍ للدفاع عن حقوق الإنسان وحرّيّة الضمير؟ هل نُعجَب بموقفهنَّ هذا أو نحسبه ضربًا من الحماقة؟ والسؤال المحرج والمقلق لنا كملحدين هو: هل لنا من الشجاعة ما لهنَّ لنقدر أن نتّخذ موقفًا مثيلاً؟ بل ينبغي ألاَّ ننسى ما يعانيه المرء في غرف السجن من مضايقات ومتاعب، وبالأكثر من العطش والرطوبة ذات الرائحة الكريهة. ومع هذا كان أمرًا واقعًا عجيبًا بأنَّه ولا واحدة من هؤلاء السجينات اللاّتي وقفن على الثلج وقتًا طويلاً قد مرضت! والدليل على ذلك أنَّهنّ وصلن إلى مكان العمل في اليوم التالي في حالة طيّبة".
اعداد راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطع