ذهب خطيب مُلحِد إلى قبيلة مُتنصِّرة في أفريقيا،
وأخذ يخطب فيهم ليتركوا المسيحيَّة، وقال لهم في نهاية كلامه:
إمَّا أنْ تقنعوني بصحَّة مسيحيَّتكم، وإمَّا أنْ تقتنعوا بآرائي وتتركوا المسيحيَّة،
وإذ بأحد المسيحيِّين البسطاء يقف ويقول: إنِّي عاجز عن مجاراتك في قوَّة الخَطَابة والفَصَاحة التي خاطبتنا بها، وإنَّما أقول لك إنَّ وجودك بيننا
الآن في حالة أمان وعدم خوف هو بُرهَّان صِدق مسيحيَّتنا،
إذ لو جئتَ قبل أنْ نصير مسيحيين لمزَّقناك عضوًا عضوًا، ولصرتَ طعامًا لنا،
إذ لا يُخفى عليك أنَّنا كنا مِنْ آكلي لحوم البشر، ولكن عندما آمنَّا بالمسيح القائم وتبعناه؛ تجدَّدت حياتنا، وتغيَّرت طباعنا، وتهذَّبت نفوسنا،
واستنارت عقولنا، وملأت محبة الله قلوبنا، ولذا فنحن لا نمسُّك الآن بأيِّ سوء، وإنَّما نُكرمك ونُحبك إكرامًا لمسيحنا الذي أحبَّنا ومات لأجلنا
على الصليب وقام ليُقيمنا، وقد علَّمنا أنْ نحب حتى أعداءنا،
فما قولك أيُّها الخطيب في المسيحيَّة،
وما هو حكمك على تعاليمها وتأثيراتها فينا؟
فطأطأ الخطيب رأسه وشَعَر بهزيمته.
كان تجديد أفراد هذه القبيلة المتوحِّشة علامة أصيلة
تدل على قوَّة المسيح القائم المُجدِّد للحياة، كما تدل على تأصُّل
روح الحياة الجديدة ورسوخها فيهم.
فالنَّفْس عندما تتلامس مع المسيح القائم تصحو مِنْ غفوتها
وتقوم مِنْ موتها وتنتعش مِنْ جديد.
لقد عبَّروا عن صدق إيمانهم بالمسيح الحي
من واقع تجربتهم الشخصيَّة.
فهؤلاء الأفراد الذين لهم ماضٍ طويل عريض مع الوحشيَّة وافتراس البشر،
عندما آمنوا بالمسيح انفتحت عيونهم على رؤية جديدة للحياة.
هذه هي شمس الحياة الجديدة التي تسطع بضوئها على الجالسين
في الظُّلمة وظلال الموت.
فإيمانهم بالمسيح القائم استطاع أنْ يَضُخ في عروقهم دماء جديدة
تُبرز عظمة الخلاص وبهاء البِر وروعة التَّجديد
وجمال الحياة الجديدة التي نالوها.
المسيحيَّة ليست مُجرَّد معلومات ومفهومات ذهنيَّة صحيحة عن الله،
بل هي خبرة وتغيير وحياة جديدة موهوبة مِن الله،
تتأصَّل تأصُّلاً شديدًا بعمق في الخليقة الجديدة المولودة مِن الله،
وتترك في النَّفْس أثرًا روحيًّا عميقًا لا يمحوه الزَّمان.
ومِنْ هنا يكون سلوك الحياة الجديدة مرآة صادقة،
تكشف حقيقة القيامة الآن مع المسيح
وأصالة الإيمان به والاتِّحاد معه.