فرنسيس، فاطيما ونهاية العالم
هل يعرف الحبر الأعظم ما لا نعرفه؟
أصبح من الأكيد ان البابا فرنسيس سيسافر الى فاطيما بمناسبة الاحتفال بالمئوية الأولى لظهورات العذراء ويُقال انه سيستفيد من هذه الفرصة من أجل تقديس أصغر الرعاة، جاسينتا وفرابسيسكو مارتو. فما مفهوم البابا فرنسيس لرسالة فاطيما؟ ولماذا تبدو عذراء فاطيما بهذه الأهمية له كما كانت لأسلافه؟
وحلت أحداث فاطيما الاستثنائية في مايو من العام ٢٠١٧ أي في مطلع القرن العشرين الذي شهد حربَين عالميتَين وابادة واسعة النطاق واختراع القنبلة النووية والتكنولوجيات التي غيرت العالم والبشر.
وكان كاردينال ليشبونة قد كرس حبرية البابا فرنسيس لسيدة فاطيما في ١٣ مايو ٢٠١٣ وأمل البطريرك خلال الحفل ان يُعطى البابا فرنسيس “نعمة التمييز لمعرفة كيفية تحديد مسارات تجديد الكنيسة.” وطلب من اللّه حماية الحبر الأعظم “في ساعات المعاناة الصعبة لكي يتخطى، بمحبة، التجارب التي قد ترافق عملية تجديد الكنيسة.” وكرس البابا فرنسيس، بعد خمسة أشهر من هذا الاحتفال، العالم الى سيدة فاطيما في ١٣ أكتوبر ٢٠١٣
ويُشير تعبد البابا فرنسيس لسيدة فاطيما الى ارتباط تاريخي وبارز يجمع ما بين الباباوية وفاطيما. وكان البابا يوحنا بولس الثاني قد زار فاطيما ثلاث مرات وطوب جاسينتا وفرانسيسكو في العام ٢٠٠٠ كما واطلق الألفية الثالثة لقلب مريم المقدس يوم الأحد ٨ أكتوبر ٢٠٠٠ بوجود أكثر من ١٤٠٠ مطران.
كما وكان للبابا بندكتس السادس عشر علاقة خاصة مع فاطيما وزار المزار في مايو من العام ٢٠١٠ حيث قال من بين جملة أمور: “نكون مخطئين ان اعتبرنا ان مهمة فاطيما النبوية قد انتهت.”
ويقول الشيطان في رؤية البابا لاوون الثالث عشر الشهيرة أنه لو كان أمامه مئة سنة لتمكن من تدمير الكنيسة ومن الملفت ان يكون التاريخ ١٣ أكتوبر ١٨٨٤. كما وتعرض البابا يوحنا بولس الثاني الى محاولة اغتيال في ١٣ مايو ١٩٨١ وكرس البابا فرنسيس العالم الى سيدة فاطيما في ١٣ أكتوبر ٢٠١٣ وبدأت الظهورات في ١٣ مايو ١٩١٧ وانتهت بمعجزة الشمس في ١٣ أكتوبر ١٩١٧ فهل تكون كل هذه التواريخ البارزة علامة من السماء تشير الى بداية المئة سنة التي يحاول خلالها الشيطان تدمير الكنيسة؟ وفي هذه الحال، هل نقترب من نهاية هذه المئوية؟ وهل يجعل ذلك زيارة البابا الى فاطيما في العام ٢٠١٧ أكثر أهمية؟
وقال البابا فرنسيس عند تكريس العالم لسيدة فاطيما في أكتوبر ٢٠١٣: “يساعدنا تمثال سيدتنا، الآتي من فاطيما، على الشعور بوجودها في داخلنا. دائماً ما تأخذنا مريم الى يسوع... وما من مستحيل على رحمة اللّه! فهو يزيل حتى أصعب العقد بنعمته. ونعم، فمريم التي فتحت بقولها نعم الباب للّه لفك عقدة عدم الطاعة الجديد هي الأم التي تقودنا بصبر ومحبة نحو اللّه لكي يتمكن من فك عقد نفسنا برحمته الأبوية.”
ويبدو ان البابا فرنسيس اسوةً بسلفَيه مدرك ليس فقط للمعركة الروحية ضد الشيطان بل لواقع ان الوقت قصير. وفي تأملنا بنهاية العالم، علينا ان نسأل أنفسنا معنى ذلك.
لا يمكننا بطبيعة الحال ان نستبعد بعض الكوارث الرهيبة التي قد تؤدي بالعالم نحو الفوضى إلا ان البشر يتوجهون نحو هذه الفوضى النهائية لتدمير أنفسهم بأنفسهم.
فنحن ندمر جماعاتنا من خلال الحرب والعنف والارهاب. نحن ندمر عائلاتنا من خلال وسائل منع الحمل والاجهاض والطلاق وندمر نقاوتنا وقوتنا من خلال المواد الإباحية والمثلية الجنسية.
اننا ندمر مجتمعنا من خلال الجشع والمادية وعدم الاهتمام بالفقراء والأرامل واليتامى والمشردين والجياع. وندمر بيئتنا من خلال الجشع والنمو المفرط والتلوث. فنحن نأخذ بأنفسنا من نواحي كثيرة حتى نهاية العالم وتنظر الينا الأم المقدسة وقلبها ينفطر.
وتدلنا العذراء وسط كل هذه الفوضى على قلب ابنها الرحوم وتقودنا الى رحمته السامية.فهي تنظر الى هذه الانسانية المنفطرة القلب والمعذبة – في سباقٍ نحو الدمار – وتقول بقلب الأم “عودوا الى البيت”.
ويفسر ذلك أيضاً رسالة البابا ومنهجيته. فهو يشفق على العالم ولا يلومه ويريد أن يتواصل مع منكسري القلوب والمتعبين والمكبلين بالخطيئة ويقدم المغفرة الشافية ورحمة اللّه كما لكان أب أو أم لتفعل مع ابنها الضائع.
ومع استقباله ايقونة فاطيما هذا الاسبوع في الفاتيكان وتكريسه العالم لها منذ سنتَين وتخطيطه لزيارتها في العام ٢٠١٧، هل يعرف البابا فرنسيس ما لا نعرفه؟ وهل تلوح أزمة في الأفق قد تؤدي بنا الى انعطافٍ في مسار التاريخ؟ وهل طلب من العذراء مريم الصلاة والتشفع بالفقراء والجنس البشري التائه بشيء من الالحاح؟
لا يفترض بنا المقامرة حول المستقبل بل وضع انفسنا بين يدي اللّه بثقة تامة. إن رسالة فاطيما هي المراقبة والانتظار والصلاة والتكفير عن الخطايا والنظر برجاء للمستقبل الذي يعده اللّه لنا.