من أقوال القديس باييسيوس الآثوسيّ عن العائلة
اعداد راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطع
** عندما يُعنى الأهل بتربية أطفالهم تربية روحيّة منذ الصغر، ويزرعون في نفوسهم التقوى ومخافة الله، فإنّ المسيح لا يتركهم البتّة، بل يبقى قربهم. وإذا اتّفق أن ضلّوا أو جنحوا قليلاً عن الطريق السويّ عندما يكبرون، فإنّهم لا يتأخّرون كثيرًا عن الرجوع، لأنّ التقوى ومخافة الله لا تتركان أبدًا التربة التي زُرعتا فيها.
** على الأهل أن يربّوا أولادهم تربية روحيّة صحيحة، وأن يقوّموا إعوجاجاتهم الروحيّة وهم أطفال، لأنّ أخطاءهم، حينئذ، تكون قليلة الأهمّيّة وسهلة الإصلاح. وأمّا عندما يكبرون...
** تقوى الأمّ لها أهمّيّة قصوى في العائلة، فإن عاشت الأمّ بمخافة الله وتواضع، فإنّ كلّ شيء في المنزل يسير تحت نظر الله.
** عندما يُعمَّد الطفل، يجعل الله له حماية سماويّة، وذلك بأن يوكل عنايته إلى ملاك حارس يحرسه. إذن، يتمتّع الطفل بحمايتين: سماويّة من الملاك الحارس، وأرضيّة من الأهل.
** الحالة الروحيّة للأمّ تنعكس بشكل أساس على كلّ أفراد العائلة، وبخاصّة على الأطفال، فإذا كانوا دومًا فرحين، يكون المسيح، المستقرّ داخل الأمّ، يشعّ فرحًا في البيت. ولكن إن كانت الأمّ لا تبالي بحياتها الروحيّة، ولا تصلّي، فكيف سينمو الأطفال في جوّ من القداسة والمحبّة الإلهيّة؟!
** عندما يرى شخص ذكيّ منزل عائلة كثيرة الأولاد مرتّب وكلّ شيء في مكانه، فإنّه يفهم، للحال، بأنّ الأمور تجري في هذا البيت تحت نظام عسكريّ، والأولاد يعيشون بخوف وقمع ولذلك كلّ شيء مرتّب.
** أطفال اليوم لا يشبعون من عطف أمّهم ومحبّتها، بل ولا يسمعون صوتها ولا نغمتها ولا يعرفونها، لأنّ الأمّ غائبة عنهم طيلة النهار. إنّه لأفضل آلاف المرّات أن توكل تربية الطفل إلى إحدى القريبات أو إلى ممرّضة حنون من أن يوضع في دور الحضانة.
** يرضع الأطفال مع حليب أمّهاتهم العطف والحنان والمحبّة والاطمئنان، وهكذا يتمتّعون في ما بعد بشخصيّة قويّة. أمّا إن عُهد بالطفل إلى خادمة أجنبيّة، فما هو المصير؟!!!
** كلّ امرأة لا تُرضع طفلها عن كسل أو تهاون، فإنّها تعطي لطفلها أيضًا الكسل والتهاون، لأنّ الطفل سريع التأثّر بأمّه وانفعالاتها.
** عندما يتمرّد الولد ولا يطيع، أو عندما يتكلّم كلامًا نابيًا، فهذا مردّه إلى المنزل حيث يرى الطفل أمّه لا تطيع أباه، وأباه لا يطيع أمّه، أو يسمعهما يتشاجران بكلام غير لائق. من الممكن أن يكون مردّ هذا، أيضًا، إلى خارج البيت، إلى الرفقة. فعلى الأهل أن يعطوا أولادهم المثل الصالح الحيّ في التعامل مع بعضهما البعض ومعه أيضًا. عليهما التعامل باحترام، وأن لا يعالجا أيّة مشكلة تطرأ أمام ولدهما. ولا يلجأ أحد الطرفين إلى لوم الطرف الآخر في غيابه أمام ولدهما.
** عندما يرى الأولاد المحبّة سائدة بين والديهما، وأنّ الاحترام المتبادل والتفاهم والصلاة هي التي تجمعهما وتوحّدهما، عندئذ تنطبع هذه الأمور في نفوسهم. لذلك أقول دائمًا أن أفضل ميراث يرثه الولد عن والديه هو التقوى.
** يا للمصيبة إن أوقع الطفل ضررًا ما في أحد أغراض المنزل!! تقوم، عندئذ، المحاكمة والمشاجرة. فلينتبه الأهل، ويعالجوا الأمر بكلّ رويّة وإلاّ خلقوا للطفل مشكلة نفسيّة.
** الطفل بحاجة إلى عطف ومحبّة كبيرين، وإلى إرشاد صحيح أيضًا. بحاجة إلى أن تجلس الأمّ بجانبه، أن يحكي لها مشاكله، أن تدلّله، أن تقبّله... وإن كان لدى الطفل انزعاج ما، فإنّه بهذه التصرّفات سوف يعود إليه السلام والهدوء والطمأنينة. إن شبع الطفل من محبّة والديه، وهو صغير، فإنّه سيمتلك قوّة داخليّة كبيرة تؤهّله في المستقبل لمواجهة مشاكل الحياة.
** غالبًا ما يدفع الأطفال ثمن أخطاء والديهم. كثير من الآباء هم سبب دمار أولادهم وهلاكهم. ولكنّ الله ليس بظالم. فهو يكنّ محبّة خاصّة تجاه الأولاد، وبخاصّة الأولاد المظلومين في هذا العالم إن كان الأهل هم السبب أمّ أشخاص آخرون.
** اليوم معظم الأمّهات لا يرضعن أطفالهنّ، لذا ينمو الطفل من دون فرح، إذ من سيمنحه العطف والمحبّة المولّدان للفرح، هل هي الملعقة أم الزجاجة الباردة؟!! تأكّدوا بأنّ الطفل سيكون في الغد جافّ القلب وبارد العواطف كالزجاجة التي أخذ منها الحليب. وأمّا عندما يكبر، فإنّه سيطلب دفء زجاجة الخمر.
** الجنين يحسّ بمشاعر أمّه وانفعالاتها بقوّة. فإن كانت منزعجة، ينزعج هو أيضًا. وإن كانت هادئة تصلّي، يتقدّس بحالتها أيضًا. لذلك على المرأة الحامل أن تصلّي وأن تطالع الكتاب المقدّس، وأن ترتّل وألاّ تسمح للغمّ بالتسرّب إليها. على الآخرين الذين حولها أن ينتبهوا لهذا ولا يخلقوا لها ما يسبّب تكدّرها، لكي ينمو الجنين بجوّ من الفرح والسلام. وعندها يتقدّس الجنين، ولا يواجه المشاكل في طفولته ولا في شبابه.
** من الممكن أن تكون المرأة ضعيفة جسديًّا، ولكنّها تملك في داخلها قوّة كبيرة تستطيع أن توظّفها في مجالات مختلفة إن أرادت ذلك. لا شكّ أنّ الرجل يفوق المرأة قوّة جسديّة، ولكنّه لا يملك قوّة قلب المرأة.
** لا أفهم هذا التناقض: كيف يُسمح بالإجهاض بينما يُسمح بأن يحيا أطفال معوّقون، لا بل يهرع الجميع إلى الخارج لتطبيبهم حتّى تستمرّ حياتهم؟!!
** الإجهاض خطيئة فظيعة. إنّها جريمة قتل، لا بل جريمة قتل كبيرة، لأنّهم يقتلون نفسًا من دون أن تنعم بسرّ المعموديّة. على الأهل أن يعوا بأنّ الحياة تبدأ منذ لحظة الحمل.
** إنّي أشير على من يبغي الزواج أن يختار عروسًا من بيت كثير الأولاد، لأنّ أولاد هذه العائلة يعرفون التضحية والتنازل عن أمور ضروريّة، ويتكاتفون مع أهلهم في تأمين الحياة، وهذا شيء مهمّ جدًّا.
** مرّات كثيرة يقرّر الزوجان ألاّ ينجبا أكثر من ولدين بحجّة أنّ الحياة غدت صعبة، وتأمين المعيشة لهما مكلف. يحرصان ألاّ ينقص شيء عن ولديهما، ويوفّران له كلّ أسباب الرفاهية. ولكن في هذه الحالة أتساءل أين الإيمان، وهل الأهل هم الذين يؤمّنون ضرويات الحياة أم الله؟!!
** من الضروريّ جدًّا أن يكون جوّ البيت مفعمًا بالمحبّة والسلام. ومن الضروريّ جدًّا أن يتلقّى الطفل في البيت المحبّة وأن يعيش السلام، حتّى إذا ما افتقدهما خارج البيت التصق، أكثر فأكثر، بعائلته وبيته.
** من المستحسن أن يري الأهل انزعاجهم من فوضويّة ولدهم وانفلاشه، ولكن من المضرّ بمكان أن يُضغط عليه لكي يتخلّى عنهما. يجب على الأهل في هذه الحالة أن يلجأوا إلى الصلاة، فإنّها وحدها تأتي بنتائج إيجابيّة.
** يجب على الأهل ألاّ يوبّخوا أولادهم مساء، إذ إن الطفل، في هذا الوقت، لا يملك ما يتسلّى به لينسى التوبيخ أو الانتهار. وهكذا ينام "وليله أسود"، ويستيقظ وصباحه أيضًا أسود من دون أن يعي ذلك. لذلك أنصح الأمّهات دائمًا أن لا يزجروا أولادهم أو يقمعوهم بقولهم لهم لا تعمل هذا ولا تقل هذا لا... لا... حتّى في الأمور الصغيرة. لأن الطفل لا يعرف أنّ المحبّة هي وراء كلمة لا. لذلك يأتي يوم لا يردّ على أمّه ويعمل ما يريده ولو خفية، وقد يأتي ساعتها بأشياء مضرّة. ولكن هذا طبعًا لا يعني أن لا تقف الأمّ بحزم أمام بعض تصرّفات ولدها، لأنّ التساهل معه دائمًا أيضًا يضرّه. هنا يقتضي التصرّف بحكمة وصبر جزيلين.
الجمعة فبراير 13, 2015 8:37 am
