مثال بلا معلِّم
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
اخبرني عن أيوب؟ هل سمع الأنبياء أو قرأ تعاليم ينتفع بها؟
كلا!
مع أنه لم يجد عونًا من هذا القبيل غير أنه قدم مثالاً للفضيلة الكاملة الدقيقة.
لقد وزع أمواله على المحتاجين، ليس فقط ماله، بل وبذل صحته.
استضاف الغرباء في منزله... ودافع عن المسيئين إليهم، وبكلامه الرقيق سَد أفواه السفهاء،
كان كملاكٍ في تصرفاته...
تأمل فإن السيِّد المسيح يقول: "طوبى للمساكين بالروح" فحقق أيوب ذلك بتصرفاته
(أي 31: 13-25)...
"طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض".
من بلغ وداعة ذاك الذي قال عن عبيده بسبب حبهم له: "من يأتي بأحد لم يشبع من طعامه؟!"
(أي 31:31).
"طوبى للباكين لأنهم يتعزون" وقد اختبر أيوب هذه التعزية الداخلية.
اَنصت ماذا يقول: "إن كنت قد كتمت كالناس ذنبي لإخفاء إثمي في حضني" (أي 33:31)،
إذ كان كثير البكاء على خطاياه.
"طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ".
اُنظر ما حققه من كمال إذ يقول: "هشمت أضراس الظالم ومن بين أسنانه خطفت الفريسة"،
"لبست البرّ، فكساني كجبة وعمامة كان عدلي" الخ. (أي 29: 17، 14)
حقًا، لقد أحب (مضايقيه)، وصلى من أجلهم، وحول عنهم الغضب مع أنه لم يسمع نبيًا ولا إنجيليًا ولا كاهنًا
ولا معلمًا، ولا أوصاه أحد بالفضيلة.
تأمل سمو روحه، كيف اعتمدت على نفسها، فصنعت الفضيلة حتى إن لم تجد من يحيطها بالعطف.
ولم يكن حتى أسلافه صالحين، بل كانوا ثابتين في شرٍ عظيمٍ،
إذ يتحدث بولس عن جده (عب 12: 16)
فلم يكن أحد مستبيحًا كعيسو الذي باع بكوريته بأكلة عدس.